كان يوم العيد مليئاً بالضجر، وذلك لأني لم أعتد على قضائه داخل البيت دون الخروج وزيارة الأهل والأحبة. كان اليوم يمر ببطء حتى طلب مني أحد الأصدقاء طلبا غريباً لم أتوقعه، وهو تسجيل صوت ضحكتي وإرسالها له، ثم قال معللًا: “أحتاج صوت ضحك إمرأة لمشروع صوتي أنا في صدد الإعداد له”. انتابني شعور بالخجل حينها لأنني لا أحب سماع صوتي، لا بل والأسوأ منه صوت ضحكي الذي أعتبره تافهاً. أخبرته بشعوري وطلبت منه البحث عن فتاة أخرى، لكنه أصرّ، فقمت بعدة محاولات تسجيل صوتية واكتشفت صعوبة هذه المهمة، إذ من السهل كثيراً تزييف الحزن بمجرد استذكار ذكرى حزينة، ومن الصعب تزييف الضحك حتى وإن استحضرنا ذكريات فرحة، فتلك تدفعنا إلى الابتسامة وليس بالضرورة إلى الضحك. من السهل كثيرا أن نحزن لأكثر الأسباب ابتذالاً، ومن الصعب الضحك على أي شيء.
لم أملك حلاً سوى قراءة نكتة في ذات الوقت الذي أسجل فيك صوت ضحكي، وحتى ذلك لم يكن سهلاً. أظن إننا نضحك أكثر مع الأشخاص وليس مع الكلمات. هناك من الأشخاص من يضحكنا بكلمة، بموقف، بنظرة، أشخاص تجمعنا معهم قواسم مشتركة مرتبطة بالبيئة والثقافة والاهتمامات، ومن الأشخاص من يطفئ أملنا بالضحك بمجرد حضوره.
بعد عدة محاولات، اقتنع صديقي بواحدة من التسجيلات واستعارها. رحت أفكر بعدها أكثر في الموضوع واكتشفت أن الضحك موضوع أدبي وسوسيولوجي استقطب فضول الكثير من الباحثين.
في علم السوسيولوجيا، تمّ استنتاج حقيقة مفادها أن الضحك يجمع ويفرق، بالإمكان أن أضحك معك الآن وأضحك عليك لاحقا؟، فأنقلب من صديقٍ لعدو. هناك أنواع من الضحك مثل الضحك الاستهزائي، والضحك المتكبر المغرور، و الضحك المتعلق بالمواقف، و ضحك السخرية. و في كل الحالات تتطلب صناعة الضحك موهبة وذكاءً حاذقاً، لكننا لا تستطيع الاستغناء عنه لأنه لغة مشتركة وعالمية. قد لا أفهم لغتك، و لكنني قد أضحك معك لقدرة الضحك على الاستغناء عن الكلمات.
نقول في الأدب بأن الضحك على عكس الابتسامة، لم يكن مرحباً به، لا بل وكان علامة من علامات قلة الحياء. لذلك لم نكن نقرأ ضحك النساء في الروايات القديمة. قد يصرح للرجل أن يضحك ، ولكن الضحك كان محرماً على المرأة.
تطوّرت الأمور وأصبح الضحك مسألة ثقافية تستلزم الإنتماء للثقافة ذاتها. نكتة الأجنبي مضحكة كثيراً بالنسبة له، لكن ما أن يحاول عربي ترجمتها، سيجدها الآخرون غير مضحكة. اثنان من نفس البلد قد يضحكان مع بعض ولوقت أطول إن تمت مقارنتهما مع اثنين من بلدين مختلفين.
الضحك ذوق مثل الموسيقى، كله ايقاع، ونحتاج إليه بقدر احتياجنا لهذا العنصر الأخير. في بلدان كثيرة ومن ضمنها البحرين، تمّ إنشاء نواد للضحك، من أجل أن يستنبط الإنسان الضحك لراحته وصحته النفسية والجسدية بالرغم من التعب ومتاعب الحياة. مع ذلك لا نستطيع أن نضحك ضحكاً هستيرياً لوحدنا، فلا يحلو الضحك إلا مع الأحبة والأصدقاء.
يقول الممثل الهزلي بيير دي بيرج: “نستطيع الضحك على أي شيء و لكن ليس مع أي أحد”.