ننعَىٰ إِلىٰ جماهيرِ شعبِنا الرجُلَ الّذي أَفْنىٰ حياتَهُ فِي النضالِ؛ لأجلِ قَضَايا الوطنِ وهمومِ الشعبِ. وهَا هوَ اليومُ يرحلُ ويتركُ بصماتِهِ الوطنيّةَ للأَجيالِ القادمةِ؛ لمتابعةِ المسيرةِ. أُقدّمُ لكمْ خالصَ العزاءِ بوفاةِ الفقيدِ المُناضلِ، ولرُفَقاءَ دربِهِ الصَّبرُ والسّلوانُ.
عَهَدْنا المرحومَ صاحِبَ مواقفَ وطنيَّةٍ مُعتدلةٍ، كَما عَهَدْنا استقامَةَ سلوكِهُ، وابتسامتَهُ الصادِقَةَ.
كما كَانَ منْ رُوّادِ الفِكرِ المُتنوّعِ والمرِنِ، الحريصِ علىٰ خَلْقِ الرّؤَىٰ النيرةِ التِي تصبُّ فِي مصلَحَةِ الوطنِ، وتَخدِمُ قضايَاهُ المَصيريّةَ، والبحرين -لاشكَّ- تَحتاجُ إِليهِ، ولأمثالِهِ مِنَ العَامِلين المُخلِصِين.
وهُنَا لابُدّ لَنا مِنْ وقْفةٍ نَستَذكِرُ فيهَا بَعضَ صَفاتِ الرَّاحلِ المُمَيّزِ يَعقوبِ جَناحِي:
فَفِي الزَّمنِ الصَّعبِ يُفتَقَدُ الرجالُ، لكِنَّ العزاءَ أَنّ الرّاحلَ الكبِيرَ تَركَ لَنا أَثَرًا كبِيرًا، وأُنمُوذَجًا مِنَ الإِلتِزامِ والنِّضالِ، والتَّراكُمِ الذِي أَضْحَىٰ قُدْوةً يُحتَذَىٰ بِهَا.
وقَدْ تَسلّحَ بِالعقِيدةِ والأَخْلاقِ والمُثَلِ، وكَانَ مِثَالًا لِلْقَولِ والفِعلِ والعَطاءِ، قَالَ كلِمتَهُ وَعَملَ عَمَلَهُ، عاشَ ومايزالُ شامِخًا في بَلدِهِ، وبَينَ رُفَقائِهِ مرفُوعَ الرَّأْسِ بالعِزّةِ والكَرَامَةِ
نَعمْ إِنَّهُ رجُلٌ قَلَّ نَظِيرُهُ، فَقدْ عَملَ بِما يُؤْمنُ بِهِ فِي سَبِيلِ قَضَيايَا كانَ يُؤمنُ بِأنَّها تُسَاوِي وُجُودَهُ، حِينَ حَمَلَ حُلْمَ الأجْيالِ حتَّى يَومِهِ الأَخِيرِ، فصَارَ اسمُهُ تحيَّةً يتَشرَّفُ بِها جَمُيعُ الأَهلِ والرفاق.
رَحَمَه اللَّهُ فقَدْ كَانَ رَجُلًا عاشَ كُلِّ حَياتِهُ وقفاتِ عِزٍّ، ومَا تراجَعَ يَومًا عنْ إِيمَانِهِ بَقضِيِّتِهِ، أو سَاومَ عَليها، وقدْ عَرفتُ فِيهِ مِنَ الصِّفاتِ الإِنسانيَّةِ ما يجعلُ رحيلَهُ مؤلمّا، وذِكْرَاهُ خالِدةً.
خَسرتُ برحيلِ الأَخِ والصّدِيقِ يعقوبِ جَناحِي صَدِيقًا كَبِيرًا وعَزيزًا، ولَهُ عِندِي وعِندَ كُلِّ مُخلُصٍ المَقامُ الكَبيرُ لمواقِفِهِ الوطنيّةِ.
أسْألُ اللّهَ العَلِيّ القَدِيرَ أَنْ يُسكِنَهُ فَسيحَ جِنَانِهِ، وأَنْ يُلْهِمَ أَهلَهُ وذَوِيهِ ومُحِبّيهِ الصَّبرَ الجَمِيلَ.
أمْثالُ يعقوبِ جَناحِي يحتَضِنُهُم التَّارِيخُ النِّضَالِّيُّ المُشَرِّفُ، ولا تَطْوِيهُمُ الصَّفَحاتُ، إِنَّما تَبقَىٰ سِيرَتُهُ مُحَفِّزَةً للمُناضِلِين الوَطَنِيين الشُّرفَاءِ حتَّى تَحقِيقِ كَامِلِ أَهدافِهِم.
يَعقوبُ جَناحِي قِيمَةٌ أَخْلاقِيَّةٌ كَبِيرةٌ، التَزَمَ بِقَضَايا الْوطَنِ وهُمُومِ الشَّعْبِ، عاشَ كَبِيرًا بِمَواقِعَ وبِدُونِ مَواقِعَ، وكَانَ ومازالَ رَمْزًا نَعتزّ بِهِ لِهذَا الجِيلِ.
عَرفتُهُ الأمِينَ والصَّدِيقَ مُدّةً طَويْلَةً، كانَ فِيهَا مِثالًا للصّدْقِ والأخْلَاقِ، ومِثالًا للتَّفانِي فِي سَبِيلِ الوَطَنِ.
بِرحِيلِ المُناضِلِ يَعقُوبِ جَناحِي يَخسَرُ المِنْبَرُ التَّقَدُّمُيُّ قَائِدًا شَعْبيًّا، كانتْ لَهُ وقَفَاتٌ مَعْرُوفَةٌ فِي مَيادِينِ النِّضَالِ الوَطَنِيّ، حَيثُ خَاضَ المَعارِكَ السِّياسِيَّةَ والاجْتِماعِيّةَ وسِوَاهَا برُوحٍ وثَّابَةٍ، ونَفسِيَّةٍ جَرِيئَةٍ؛ فَاستَحَقَّ إِعجَابَ ومَحَبَّةَ رِفَاقِهِ ومُواطِنِيهِ
إِنَّنا إِذ نُعَزّي الأَهلَ والأَصْدِقَاءَ بِرحِيلِ المُناضِلِ، ونَرَى أَنَّ نَهجَهُ الأَخَلَاقِيَّ وإِخْلَاصَهُ لشَعبِهِ وقَضِيَّتِهِ سَيتْرُكَانِ أَبْلَغَ الأَثَرِ فِي نُفُوسِ الشَّبَابِ الذِي يُكْبِرُ فِي الرَّاحِلِ الكَبِيرِ التِزامَهَ السَّياسِيّ وشِجَاعَتَهُ الأَدَبِيَّةَ وأَخْلاقِيَّتَهُ الرَّفِيعَةَ.
سَتَظَلُّ ذِكْراهُ حَيّةً فِي قُلُوبِنا ، وسَوفَ نَفْتَقِدُ سُندِيانَةً جَبلِيَّةً عَتيقَةً لَمْ تَترُكْ مَوقِعًا مِنْ مَواقِعِ النِّضَالِ إِلّا وخَاضَتْهُ.
كَانَ مِثَالًا للمُناضِلِ المُتَواضِعِ المُقدَامِ .
إِنَّهُ مَدْرسَةُ عَطاءٍ وفِداءٍ وتَضْحِيةٍ. خَسرْنا زَمِيلَ دَربٍ وفِكرًا نَيِّرًا، وقَائِدًا مِقدَامًا قُربَانًا مِنْ قَرابِينِ القَضِيَّةِ .
إنّهُ قامةٌ وطَنِيّةٌ سَامِقَةٌ، عَرفْتُهُ ليسَ كَالسِّياسِيّين، بلْ كَرجُلِ مَبادِئَ، وقِيمٍ يُغَلِّفُها بدَمَاثَتِهِ ووَدَاعَتِهِ.
رَحَمَكَ اللّهُ وسَتَبقَىٰ مُقِيمًا فِي نُفُوسِنا.
نَعمْ إنَّكَ رَجُلٌ مِنْ غَيرِ هَذا الزَّمَنِ الرَّدِيءِ، لمْ نَعرِفْ فِيكَ إِلّا صَلابَةَ الرَّأيِ والمَوقِفَ، ودَمَاثَةَ الأَخْلَاقِ ومَحبَّةَ الوَطَنِيَّةِ. تَغَمّدَكَ اللّهُ فِي واسِعِ رَحْمَتِه.