يعقوب جناحي رحلة نضال استثنائية

0
42

تعرفت عليه في خريف سنة 1977 شابًا في حدود الخامسة والثلاثين طويل القامة أنيق الهندام حليق الذقن والشارب مع نظارة رايبون وقد جاءنا بصحبة أحد الطلبة القدامى في سكنا بالبرامكة بدمشق وعرفه الطالب المرافق قائلًا هذا هو الرفيق عزيز، فرحبنا به ونحن بدورنا عرفنا أنفسنا بأسمائنا الصريحة ولم نكن نعرف حينها أن اسم عزيز مجرد اسم حركي وظللنا نتعامل معه لسنوات على هذا الأساس كلما التقيناه.  فهو الرفيق عزيز.  

منذ هذا اللقاء تعرفت عليه بأنه مناضل قديم من مناضلي بجهة التحرير الوطني البحرانية وأنه مقيم في الخارج منذ أيام الاستعمار وكان أحد ضحاياه وما أكثرهم.  ولكنه تعامل مع المنفى الإجباري كأداء نضال من أجل قضايا الإنسان. 

 لم يكن الرفيق عزيز لصيقًا بشئون الطلاب، ويبدو أن مهمته كما حللت حينها برغم قلة خبرتي أنه مسئول العلاقات الخارجية في الجبهة وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بالدول الاشتراكية عمومًا والاتحاد السوفيتي خصوصًا وهو أحد خريجي هذا البلد الأوائل. 

تكررت اللقاءات معه بين فترة وأخرى ودخلت معه في نقاشات مطولة حول الأوضاع العامة في البحرين وغير البحرين فوجدت فيه قامة سياسية مثقفة وعارفة بكل الأمور المنظورة وغير المنظورة كما اكتشفت فيه الروح المبدأية والهدوء والعقلانية في النقاش وطرح الأفكار دون فرض وجهة نظره. ومع كثرة اللقاءات فيما بيننا وجدت فيه شخصًا مؤمنًا بالاشتراكية على صعيد الفكر ولكنه أيضًا ليبرالي ومعتدل على صعيد الممارسة وحتى في حياته حيث لم يكن متزمتًا في أفعاله أو أقواله.  بل كان أقرب إلى الديمقراطية الليبرالية من الاشتراكية.  

في حدود ديسمبر سنة 1977 طلب مني مرافقته إلى القيادة القومية في دمشق فوافقت في الحال.  فأن ترافق الرفيق عزيز بشخصه وكريزماته فهذا شيء جميل.  رافقته وكان فيما يبدو سيناقش موضوع قبول الطلبة البحرينيين الذي تأخر كثيرًا هذه السنة لأسباب سياسية.  وبالفعل التقى بشخص من القيادة القومية يقال له عبد الخالق من أصل يمني ومن خلال النقاش فهمت أن مسألة قبولنا ستظهر عما قريب ومسألة وقت فقط. 

أصبح الرفيق عزيز من أقرب الشخصيات القيادية التي التقيتها في الخارج فقد وجدت فيه شخصية متميزة على الصعيد الإنساني ويستطيع أن يفصل بين ما هو حزبي وما هو إنساني وأخلاقي فلا يخلط قناعاته بعلاقاته الإنسانية.  وإذا خُيّر بين الاثنين فإنه يغلب العلاقات الإنسانية على الحزبية.  وبعد عودته إلى الوطن في 2001 بعد أربعين عامًا من التيه التقيته عدة مرات فظل كما عرفته.  هذا هو الرفيق عزيز، أو الدكتور يعقوب جناحي القامة الوطنية الذي ظل وفيًا لمبادئه، ولكن خسرته البحرين.   رحمه الله وألهم ذويه الصبر والسلوان.