“سوّ الذي ما يستوي .. راوني العجب”
أمسية للأمل والحياة وفاء لذكرى الفنان سلمان زيمان
كتبت نعيمة السماك:
ليست هي المرة الأولى التي احضر فيها فعالية لجمعية المنبر التقدمي، لكنّها المرة الأولى التي أجد فيها صعوبة فائقة لأجد موقفاً او مساحة فاضية أستطيع فيها ركن سيارتي. وحين ولجت المكان هالني العدد الغفير إذ امتلأت جميع المقاعد في الصالة الرئيسية واضيفت مقاعد في الصالة الخارجية. وبقي عدد كبير من الحضور واقفين، لحضور “أمسية الأمل والحياة” التي قدّمها المنبر التقدمي وفاءً لذكرى الفنان الراحل سلمان زيمان. والتي شارك فيها نخبة من الفنانين والشعراء من أصدقاء ومحبي الفنان سلمان، وأدارتها الشابة سوسن حسن.
الدوسري: محطّات في تاريخ سلمان
قدّم الفنان إبراهيم الدوسري ورقة بعنوان “محطات في مشوار الفنان سلمان زيمان”. وهنا بعض مما جاء فيها: “ولد الفنان سلمان زيمان في مدينة المحرق وعاش في بيت كبير يدعى بيت بن نبهان. تقطن فيه أكثر من أسرة من افراد العائلة. كان يسكن فيه الجد والجدة ووالده دعيج وعمه وأسرهم. يقع البيت في حي علي راشد فخرو في فريج بن هندي. وفي سن السابعة انتقل سلمان وأسرته الى منزل آخر خاص بهم بالقرب من البيت القديم، بيت بن نبهان.
تميّزت أسرة الفنان بالتعاضد والتعاون. كانت اسرة يربطها الحب، وكان للفنان الراحل بوعيه دور كبير في توطيد علاقة المحبة بين افراد اسرته. جميع أفراد العائلة لهم ميول فنية. والده يعمل في شركة بابكو بنظام النوبات. تحيط بالبيت دور الغناء والطرب الشعبي التي تأثر سلمان بها وعشق الات الطبل، التانقو، رغب في شراء طقم إيقاعات ولكن كان سعرها 100 دينار وليس لديه سوى 45 دينار.
التحق الفنان سلمان زيمان بنادي الجيل وهو في المرحلة الثانوية، وشارك بالفرق الموسيقية بالنادي. بعد تخرجه في الجامعة التحق بفرقة “نجوم الخليج” الموسيقية، كعازف على آلة الجيتار ومغني. جاء تأسيس فرقة أجراس عام 1982. الشريط الأول لفرقة أجراس “أمنيات الأطفال”، البوم “أم الجدائل” 1983، البوم “اعتذار” 1985، “من أغاني الأشواق” 1988، “أبو الفعايل” 1992.
هجرس: الخلق السامي والموهبة المبدعة
بدوره قدّم الفنان عيسى هجرس كلمة طويلة، هي بمثابة مرثية عبّر فيها عن المشاعر التي انتابته لرحيل الفنان سلمان، متذكرا خصاله ومواقفه الإنسانية، مقتبسا مقاطع كثيرة من أغانيه، وجاء فيها: “رأيت فيكَ مساحةَ طيبٍ جالتْ عليها قوافلُ السعادةِ وتشجرتْ على جوانبها أطيافُ الأمل، نفسٌ متساميةٌ فوقَ المألوفِ والمتعارف، شاردةٌ من شرنقةِ الفعلِ وردة الفعلِ الرتيبة. تعامدَ الخلقُ السامي والموهبةُ المبدعةَ في كيانْ.. فأسسا فناناً شامخاً اسمهُ سلمان زيمان”.
عشقتَ سلالمَ الموسيقى وهرولتَ نغماً فوقَ مقاماتها وموازيرها، تعزفُ معزوفَتك حتى القفلةِ الكبيرةِْ، والنهايةِ الرهيبة وختمها بالقول: “جمالُ الوردِ يموتْ.. ورونقُ الإنسانِ يموتْ.. وزهو المناصبِ يموتْ.. إلا جمالَ الإبداعِ نغماً ولوناً وخطاً، وما عمرهُ الشعرُ من بيوتْ…فنهرُ الإبداعِ العظيم قدّر الله مجراهُ في عروقِ بعض البشر، فإذا نبعهُ نضبْ.. يظل مسرى بصماتهِ نقشاً خالداً على ضفافِ المصبْ”.
الشعر كان حاضراً
تضمّن الحفل فقرة شعرية شارك فيها كل من الشاعرين عبد الحميد القائد وإبراهيم المنسي. القائد الذي ترك شعره يتحدث عنه، مستذكرا وجوده في المقبرة إبان تشيع سلمان، واستحضر في ذات الوقت الموسيقى الراحل مجيد مرهون. فكأنما رفيق روح سلمان زيمان، الفنان مجيد كان في انتظار له. فيما قدّم إبراهيم المنسي قصيدة تحية ورثاء للفقيد باللهجة العامية، وقدّم الشاعران نصوصهما بمصاحبة الفنان علي الديري على آلة العود.
د. مدن: عندما غنى سلمان: “مع الدفاتر حبر”
د. حسن مدن قدّم شهادة في الفنان الراحل، استذكر فيها أول مرة التقى فيها به، في بغداد في العام 1976، حيث كان سلمان يدرس الهندسة آنذاك، حيث جمع بهما معيّة طلبة بحرينيين آخرين، سكن واحد، هي شقة في حي الأعظمية ببغداد. وما ميّز سلمان، حسب مدن، حبه اللافت للموسيقى وملازمته لآلة الجيتار، الذي كان يعزف عليه العديد من الأغاني وبخاصة الأغاني اليمنية التي تعلق بها.
واستطرد مدن قائلاً: “بعد استشهاد الشاعر سعيد العويناتي، كتب الشاعر العراقي كاظم الرويعي قصيدة رثاء في الشهيد باللهجة العراقية. سحرت كلماتها الفنان سلمان. ولا زلت استذكر الأوقات التي انكبّ سلمان فيها على تلحين الكلمات والتمرن الكبير، فظهرت للوجود الأغنية التي ذاع صيتها فيما بعد، “دمع الدفاتر حبر”.
واستذكر مدن آخر مرة ظهر فيها الفنان سلمان للجمهور في هذه الصالة، أي صالة المنبر التقدمي منتصف فبراير 2020، حين كان “التقدمي” يقيم احتفالية بمناسبة الذكرى 65 لتأسيس جبهة التحرير الوطني، حضرها ضيوفه المشاركون في المنتدى الفكري السنوي، حيث أدى سلمان أغنيته الشهيرة: “أبو الفعايل”، فكأنه كان يودعنا بابتسامته الجميلة.
أن أكثر ما يميز سلمان هو انحيازه للقضية الفلسطينية، ويحسب له اختياره لأغنياته كلمات شعراء مثل محمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم وغيرهم. وبهذا كانت البحرين من أكثر الدول العربية التي قدمّت أغان عن فلسطين، بفضل سلمان وفرقة “أجراس”.
علي حسن: مكانة سلمان كبيرة عند عائلته
ثم قدم الأستاذ علي حسن علي كلمة عائلة الفقيد، مستعيداً فيها صفات ومكانة سلمان بين افراد عائلته، وحبهم الكبير له، وما زالوا يتذكرون مواقفه حتى اللحظة. وأن أولاده وأحفاده ما هم الا امتداد له.
معرض مقتنيات ووصلة للموسيقى والغناء
تضمنت الفعالية أيضاً معرضاً مصغراً لبعض مقتنيات الفقيد، بما في ذلك آلة الجيتار التي كان يعزف عليها، فضلاً عن عدد من دروع وميداليات التكريم التي نالها، وصوراً من حفلاته الغنائية.
كما قدّم عدد من الفنانين الشباب وصلة موسيقية – غنائية قدّموا فيها بعض أغاني سلمان الشهيرة، التي جمعتنا ومازالت تجمعنا: “حالي يا حالي”، “ربوع الشمال”، “لأعبر بحر سباح يمكن الاقيكم”، لكأن سلمان كان يرثي حاله بها، واختتمت الأمسية بالأغنية الأشهر لسلمان “يابو الفعايل ياولد،، سوى الذي ما يستوي .. راوني العجب راوني العجب”.
وشارك في هذه الوصلة كل من: ناصر زيمان، عبد الله عارف، محمد الياسي، عمرو عاطف، ناصر العيسى.