تعدّ فكرة السجون المفتوحة خطوة إيجابية وكانت محل ترحيب الأنباء المتواترة حول قيام مملكة البحرين بالتوسع في تطبيق العقوبات البديلة وذلك بتطبيق السجون المفتوحة على عدد من المحكومين ومن بينهم سجناء يقضون عقوبة سالبة على إثر احكام صادرة ضدهم تتعلق بقضايا تمس حرية الرأي والتعبير، والمؤمل أن يجري التوسع في سياسة السجون المفتوحة وصولًا الى صفر عقوبة سالبة للمعتقلين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان.
قيام مملكة البحرين بتطبيق السجون المفتوحة تعدّ تجربة رائدة على مستوى المنطقة وتطوراً نحو السبل الكفيلة بتحقيق استقرار يعزز ايجاد انفراج للأزمة السياسية الخانقة منذ أكثر من عقد من الزمن، وكان لهذه الخطوة الكثير من الترحيب من مختلف فئات وشرائح المجتمع، لما تحققه من جبر لخواطر الامهات وأهالي المعتقلين وتشيع ارتياحاً عاماً نحن فعلًا في أمس الحاجة اليه.
وانطلاقًا من القاعدة التي ترتب العقوبة كغاية اجتماعية هدفها الحفاظ على السلم والاستقرار الأهليين، لابد من التأكيد على أهمية السعي الحثيث والمستمر لاستلهام التجارب العالمية من الأمم الراقية التي حققت نتائج ملموسة وايجابية في ممارسة العقوبات البديلة ناهيك عن أهمية بلورة وعي جمعي يتناغم مع روح العصر لا يجرّم نشطاء العمل السياسي والحقوقي، ويعمل على إعداد كوادر في الجهاز الإداري للدولة متفهمة لدور ومكانة الجمعيات السياسية بوصف الأخيرة أحد الدعائم الأساسية التي تبنى عليها النظم الديمقراطية.
إن بسط سيطرة السلطة على الرأي العام في التعبير عن آرائهم ومواقفهم حول نمط السياسة الرسمية تجاههم، بما في ذلك ابداء وجهات نظرهم في أداء القائمين بالعمل العام، حتى لو كانت هذه السيطرة مبنية على تشريعات قانونية فهي تبقى في نهاية المطاف هيمنة يقصد منها بسط سلطان السلطة على الآراء والمشاعر العامة، وإهدار لسلطان العقل وبث الرهبة التي تقوّض الإبداع والتعبير، وتكون حاجباً يحول دون نفاذ العامة إلى الحقائق المتصلة بهم.
يتصل هذا الموضوع بالوصول إلى المعلومات الكاشفة عن عيوب أسلوب إدارات الدولة ومحاسبة القائمين على تلك الإدارات، وهي حاجة ملحة ولازمة لاستقامة البناء السياسي السليم الذي يمتنع فيه من يملكون القرار عن إساءة استخدام سلطاتهم، ليس لأنهم أرادوا هذا وانما طبيعة الممارسة السياسية المتبعة بما تتوفر فيها من ضمانات حقّة تفرض هذا النمط الإداري السليم.
السجون المفتوحة إذا شملت المحكومين على خلفية أحكام كانت صادرة في قضايا الشأن العام السياسي والحقوقي هي خطوة صغيرة بحاجة إلى إلحاقها بخطوات إضافية لكي تعزز الممارسة الديمقراطية مثل تطوير الدور النيابي بإلغاء القيود التي تحدّ من أداءهم داخل المجلس، وأيضًا رفع القيود التي تكبل الجمعيات السياسية، وهي بالفعل قد أفرغت محتوى هذه الجمعيات من مضامينها بعد شلّ قدراتها على البقاء والاستمرار، كما ان القرارات والقيود على حرية الرأي والتعبير تلاحق المدونين والنشطاء وتعوقهم عن بيان مظاهر الخلل في العمل العام.
إن اسقاط القيود القانونية التي تحول دون الممارسة الديمقراطية الحقة اصبح ضرورة تقتضيها اشتراطات المواكبة العصرية لتطور النظم الحياتية بمعناها العام وليس فقط السياسي، بما فيها الانفتاح على التطور التقني بما له من قدرة على النفاذ إلى الاحصائيات والبيانات والمعلومات التي كانت في السابق محجوبة عن العامة ويتعذر الوصول اليها، وكذا هو أيضًا شرط لازم لنمط اقتصادي حديث تبتغيه المكاشفة في التعاقدات البينية حتى في القطاع الخاص لتعزيز الثقة في تنمية الاستثمارات وفي تداول رأس المال، ولكي تتوفر فيها الضمانات لتعقب التلاعب والرشوة والاختلاسات.
إن الحاجة إلى الممارسة الديمقراطية الحقة تمتد الى كل مناحي الحياة ليستقيم التوازن ويصحّ معه البناء الإداري وتأمن النفوس فيها من عصا الجلاد.