قبل سنوات التقيت في عزاء بصالة جمشير بالبسيتين لأحد رجالات المحرق والبحرين أحمد سند، أبو زياد، بالرفيق العزيز أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني ابراهيم ديتو الذي كان برفقة ولده البكر محمد، حيث جلسنا متقاربين ومعنا الأخ علي ربيعة، وكان هذا اللقاء مناسبة لاستعادة رصيد الذكريات الغني مع “ابو محمد”.
وأعادنا الحديث مع الرفيق ابراهيم إلى السنوات الخوالي، وتحديداً إلى العام 1970، عندما عاد إبراهيم إلى البحرين قادما من الكويت لأن سفارة البحرين هناك رفضت تجديد جواز سفره، والمعروف أن ابراهيم نفي من قبل رئيس المخابرات هندرسون إلى الكويت بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي استهدفت مناضلي جبهة التحرير الوطني عام 1986، مما دعاه إلى القدوم لوطنه البحرين هذه المرة بغية تجديد الجواز.
وكانت العادة قد جرت حين يحين موعد تجديد جواز سفره يذهب للسفارة البحرينية في الكويت للقيام بهذه المهمة الاعتيادية، لكنهم في تلك المرة رفضوا تجديد الجواز وطلبوا منه انجاز ذلك في دائرة الهجرة والجوازات في البحرين، ولم يكن هناك بداً من فعل ذلك، فبدون جواز سفر ساري المفعول ليس بوسعه انجاز أي معاملة تخصه شخصياً أو تخص أفراد عائلته، فكل المعاملات مرتبطة بإبراز جواز السفر سواء أكان الشخص متواجداً في داخل وطنه أو خارجه، وسواء كانت هذه المعاملة معقدة أو بسيطة.
فرجع إلى البحرين وقدّم جوازه إلى الجهات المختصة في دائرة الجوازات والهجرة حيث توقّع أن يتم إنجاز هذه المهمة خلال أسبوع أو أسبوعين أو أكثر، إلا أن المدة طالت، وعندما راجع الجوازات بعد أسبوع واحد متوقعا أن يكون جوازه جاهزاً، أبلغ بأن الجواز مازال في حوزة الجهات العليا الرسمية إلا أنهم لم يحددوا له من هي هذه الجهات العليا، حتى يتمكن من طرق بابها للتعجيل بالأمر، لأن عليه العودة إلى عمله في الكويت.
وأثار ذلك استغراب الرفيق ابراهيم هو الذي اعتاد أن يجري تجديد جواز سفره في سفارتنا بالكويت بشكل طبيعي، خاصة وأن وجوده في الكويت جاء بسبب نفيه من البحرين، ولم يكن محض اختيار منه، فما الذي استجدَّ في الأمر كي يعطل تجديد الجواز هذه المرة، خاصة وأنه لم يتعرض بعد عودته لأي تحقيق أو توقيف، فهو حر طليق يتوجه إلى حيث يشاء ويقابل الجهات الرسمية وبعض الأهل والأصدقاء والزملاء الذين كانوا يعملون معه في بابكو قبل اعتقاله وفصله من عمله وترحيله إلى الكويت.
وبعد مراجعة الجهات الخاصة في إدارة الهجرة والجوازات، لم يحصل على أمر جديد يطمئنه على قرب حصوله على جوازه، لأن الموظف المسؤول في هذه الإدارة لم يحصل على أمر التجديد من الجهات الرسمية العليا.
مضيت شهور على تقديم هذه المعاملة الرسمية، دون أن يرد أي جواب رسمي عن موعد تنفيذ تجديد جوازه وإعطائه جواز سفر جديد له. فما كان منه إلا أن يتحرك وفق هذه المعطيات، وبجهود من المرحوم أحمد سند تمَّ ترتيب لقاء مع مدير دائرة الهجرة والجوازات آنذاك الشيخ صباح بن عبد الرحمن الخليفة، للاستفسار منه عن السبب الحقيقي لعدم تجديد جواز سفره، فأبلغه أن هناك معلومات تفيد بانك مستمر في العمل السياسي ضد الحكومة حتى وأنت في الكويت، وأنك تقوم بتحريض طلبة البحرين هناك ضد الحكومة وسياساتها، وأن عليه توضيح أسباب ذلك، خاصة وأن هذا التصرف تترتب عليه عقوبات لأنه مخالف للقانون.
فردد أبو محمد بأن ذلك غير صحيح، فالفارق في العمر بينه وبين الطلبة البحرينيين هناك كبير، وأنه منصرف إلى عمله وتدبر شؤون عائلته، ولا صحة للمعلومات الواردة، وأنه يرفضها جملة وتفصيلا وأنه برئ منها كل البراءة، فإذا كان لديكم من يدعي بذلك فليقابلني في محاكمة مفتوحة وأنا سأدافع عن نفسي وأرد على كل تهمة من التهم بالبطلان.
وأعاد الرفيق ابراهيم المطالبة بتجديد جواز سفره كي يعود إلى عائلته وأبنائه وإلى عمله، خاصة وأن نحو ستة شهور قد مرت منذ أن عاد إلى البحرين لتجديد هذا الجواز. وما كان هذا اللقاء سيتم لولا جهود المرحوم أحمد سند الذي تجمعه علاقات صداقة مع الشيخ صباح، حيث قال له أحمد سند: هل يرضيكم أن الرجل بعيد عن عائلته وعمله، واتضح أن مدير الجوازات كان يعتقد أن ابراهيم ديتو معتقل، ففوجئ بما قاله له أحمد سند.
بعد شهر من هذه المقابلة صدرت الأوامر بإعطاء إبراهيم ديتو جواز سفره مجدداًـ حتى تمكن من شدّ الرحال مجدداً إلى الكويت، بعد صبر ومعاناة، وكان هذا اللقاء مع الرفيق إبراهيم في عزاء المرحوم أحمد سند مناسبة لاستعادة الذكريات الصعبة التي ترينا ما كابده مناضلونا وعائلاتهم من متاعب وصعاب، وأيضاً استعادة الدور المشرف والإنساني للمرحوم أحمد سند الذي جمعته مع ابراهيم ديتو وعائلته علاقة صداقة وأخوة في الكويت، حيث كان المرحوم نفسه يعمل هناك أيضاً.