في يوم الديمقراطية..أي ديمقراطية نريد..؟

0
49

في الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول من كل عام  يحتفل العالم  ونحن معه باليوم العالمي للديمقراطية، وهذا في حدّ ذاته أمر مطلوب لتعظيم أهمية حضور الديمقراطية كممارسة وأداة ووسيلة نسعى من خلالها لتحقيق طموحاتنا المشروعة كشعوب في زيادة معدلات التنمية واستدامتها،  وفي تحقيق المزيد من شروط وممارسات العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وتحقيق الضمانات المطلوبة لخروج الناس في هذا العالم المليء بوجوه عديدة من الجور والظلم والحروب والعبث والجهل والتخلف وغياب العدالة، ومن حالة الإستلاب والمهانة إلى عالم اكثر رحابة من تحقيق الحريات العامة والخاصة، وترسيخ ممارسات حقوق الإنسان، وضمن إطار من شرعنة تلك المطالب الأساسية التي من خلالها تكمن العدالة وربما الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية التي كثيرا ما تشدقت بها أنظمة وهيئات دوليّة، ووضعت في سبيل بلوغها أجندات ومعايير واشتراطات، كثيراً ما ينعدم الالتزام بتحقيقها.  

 المسألة في غاية التناقض والغرابة بكل تأكيد، لكنها ليست عصيّة على الفهم، طالما فهمنا توحش عالمنا وتغوّل ممارسات الإستبداد وبأساليب وأدوات عديدة، لكنها بكل أسف تبقى محمية بلغة وشعارات حماية القانون والنظام سواء على الصعيد المحلي أو الدولي الذي تتبارى دول كبرى وصغرى في فرض رؤاها دون اكتراث بمصالح ورؤى الآخرين لتحفظ مصالحها المباشرة وغير المباشرة، ضاربة عرض الحائط بأبسط القيم التي كثيرا ما تشدقت بها دول كبرى ومنظومات مصالح كبرى  حكمت عالمنا ولازالت  بأدوات وبقبضات استعمارية، لازالت تعتاش وتسوق نهمها وجشعها في ترسيخ الهيمنة والقهر دون توقف وبأكثر الأساليب شراسة.

على الرغم من أننا جميعا نقر بأننا نعيش في عالم هو بمثابة قرية كونية، لكن هذه القرية الكونية لا زال  لا يحكمها العقل والمنطق والعدالة ولا حتى أبسط شروط السيادة،  ولا تستفيد من التاريخ وثقله بكل حروبه ومآسيه..وكأننا نذهب بعالمنا ومنظماته، وكثيراً بإرادة دوله باتجاه الانتحار والهلاك دون التفكير في خلق مسارات أخرى بديلة تكفل نماء ورفاهية البشر على وجه هذا الكوكب المبتلى بكراهيات لا حصر لها وبفجور استعماري رأسمالي بشع،  وبهيمنة لا تريد أن تتوقف وبإستلاب منقطع النظير هو بمثابة مشروع مستمر ليس له أفق وحدود ولا يحكمه منطق أو قانون.

في يوم الديمقراطية العالمي الذي احتفلنا بمروره عبر بيانات أضحت  تتوالد كالفطر دون فهم حقيقي من قبل السواد الأعظم من الدول والشعوب، ولكأننا نعيش طقوساً طالما أدمناها ونحن نسير في هذيان لا يريد ان يتوقف، ودون أدنى وقفات للتأمل حتى نعطي لدولنا ولشعوبنا فسحة استعادة الأنفاس ولو قليلا، وكأننا في سباق محموم لتدمير هذا العالم الذي هو مليء بعوامل الجمال والسلام والتعاون والتناغم والإنساني والتعددية والتنوع الحضاري والتاريخي، لكننا عنوة ودون أن نشعر أو نعي أدوارنا في  ضرورة تصويب مسار الحضارة الإنسانية، نختار خيارات التدمير وتعزيز عوامل  الكراهية والعنصرية والتمييز، دون مسوغات إنسانية مفهومة…انه عالم مليء بالتناقضات والمآسي بكل أسف في ظل جشع وعدوانية واستلاب غير مسبوق، لم نهتد بعد لكيفية التعاطي الإبجابي معه رغم امتلاكنا لمختلف ادوات التفوق التكنولوجي والصناعي التي هي سمات عصرنا الراهن.

محليا واقليميا، ووسط هذا التغول غير المسبوق عالميا، كم نحتاج أن نكون اوفياء لمصالح شعوبنا ودولنا بالدرجة الأولى ولدورنا المنتظر تفعيله للإسهام في رسم عالم جديد وبمفاهيم عصرية وإنسانية، لا تقبل كل هذه التبعية والارتهان والاستلاب والتبعية وغياب مقومات السيادة ومصادرة قراراتنا الوطنية دون أن نتوقف ولو للحظة لنبحث عن بدائلنا الممكنة.

في يوم الديمقراطية العالمي نحتاج أن نعي حجم التحديات الشاخصة أمامنا دولا وشعوبا، وسبل معالجاتها واستحضار امكانياتنا المادية والبشرية والمالية والاقتصادية لتثبيت مواقعنا لنكون قادرين على الفعل بدل التلقي المزمن والإخضاع الى ما لا نهاية، نحتاج إلى أن نعود لشعوبنا بدلاً من البحث بإستمرار في محاولاتنا اليائسة لاسترضاء أعداءنا والذين مرغوا ارثنا وتاريخنا وقيمنا ولا زالوا.

في اليوم العالمي للديمقراطية نحتاج أن نكون أكثر ديمقراطية ووعياً، لنعود بصبر ومسؤولية لشعوبنا وقضاياها وهمومها، بدلاً من محاولات الهروب إلى الأمام دون توقف، وكأننا نؤكد عجزنا عن ايجاد الحلول للإجابات والحلول التي هي في متناول اليد، ليتبقى علينا حينها أن نتعلم كيف نكون أكثر مسؤولية أمام التاريخ والأجيال القادمة..هكذا يجب أن نبدأ احتفالنا بيوم الديمقراطية العالمي، عندما نستعيد قراراتنا الوطنية للإنطلاق بأوطاننا  وشعوبنا نحو المستقبل، أما المراوحة وانتظار ما سيرسمه الآخرون لنا فتلك احدى سمات العجز  والإصرار على البقاء في مساحات الارتهان والاستلاب دون مبررات موضوعية مفهومة.