محمد شكري عن قرب

0
70

قال إن الكتابة حررته من الشّقاء الوجوديّ

لم تفاجئني شخصية الاديب المغربي محمد شكري حين التقيته في صيف عام 2002، فلقد وجدته شديد الشبه بأبطال رواياته الشهيرة، بدا لي رغم شيخوخته كصعلوك متسكع يجول المدينة بحثاً عن صيد جديد يتلهى به ويبدد وحشة ايامه، كنا نستقل حافلة صغيرة لنقلنا من طنجة إلى أصيلة حيث يقام المهرجان الثقافي السنوي في دورته الرابعة والعشرين، صافحته وطلبت منه الاتفاق على اجراء مقابلة صحفيه معه، قال: امهليني فأنا احتاج الى مزاج خاص جداً للتحدث الى الصحافة.

 وكنت اختار مقعدي يوميا على مقربة منه على مائدة الافطار لتبادل الحديث، وأرى الصحافيين يتحلقون حوله بينما يمارس عليهم فعل التدلل والتمنع والتعالي والانشغال بحجة المرض وتعكر المزاج وانتظار الوقت الملائم للكلام، كان يلتهم الزبدة والعسل بيديه ربما انتقاما من الخبز الحافي، رغم أنه كان وقتها في عز ّمرضه، اذ توفي بعد هذا اللقاء ب9 اشهر عن 68 عاما، وكنت أسمعه وهو يطلق الصرخات الفجائية متأوهاً من أوجاعه. يدّس يديه في جيبه ويبتلع كمية كبيرة من الأدوية ويواصل يومه، وحين يتأخر في النزول صباحاً يساور الجميع الشك في أنه قد يكون مات في فراشه.

غاب شكري عن كل منتديات أصيلة وورشها الفنية وتجمعاتها الأدبية، ولم يحضر سوى حفل الختام وليلة الاحتفاء بنهاية الموسم، وحين وقع الاختيار على الأديب السوداني الطيب صالح لنيل جائزة اصيلة، لم يتورع شكري من ابداء غضبه ورفضه بصوت عال بلغ مسامع الطيب صالح، معللاً أن هذه الجوائز يجب ان تذهب إلى الأدباء والكتّاب الشبان كي تعينهم في مسيرتهم، فماذا يفعل هذا الدرويش العجوز بالأموال؟

في اليوم الأخير وقبل مغادرتي المدينة منحني شكري فرصة اجراء اللقاء معه، اختار مطعماً من مطاعم الأسماك الكثيرة المنتشرة في أصيلة، قال كلاما كثيرا وجريئا عن زملاءه ومجايليه من الأدباء. نشرت أجزاء منه في صحيفة “الأيام” بعد وفاته: وسألني: ماذا تريدين ان تسمعي مني، بلدكم البحرين لا أعرف عنها شيئا سوى الشاعر قاسم حداد، أما الأدب النسائي العربي فلا أعترف فيه إلا بفاطمة المرنيسي ونوال السعداوي وغادة السمان، وفي اللقاء ركزّ على نقطة محورية وكيف أن الكتابة حررته من الشقاء الوجودي ومن كل الأشياء التي كرهها في حياته، الفقر والمال والأسرة وبعض الناشرين العرب الذين اتهمهم بسرقة اعماله وطبعها من خلف ظهره .

“وفي حياتي عرفت العوز والفقر، ثم أصبحت أديباً وتدفق المال في يدي ولم اعد أعاني من عقدة نقصه وحققت عبره كل الامنيات التي عزت علي حين كنت صغيراً، لقد انتقمت من المال أخيراً”

“أعانتني الكتابة على التحرر والانعتاق من أشياء وعلاقات مؤذية كرهتها في حياتي بما في ذلك أسرتي التي حاربتني وتبرأت مني رغم انها لم تترك لي رأسمالاً اعتاش منه وتركتني فقيراً متسولاً”.

الحب أخذت نصيبي منه وتجاوزته، لم أرد أن أتزوج أو أن اصبح أباً، كي لا اكون سيئا على شاكلة والدي”.

 “لو لم أكتب لانتحرت منذ زمن طويل”.

ما دمت حياً فلا أخشى الموت، ولست نادماً على أي شيء، أعيش مطلق الحرية التي ينشدها أي إنسان حر ّوطليق، وإذا متّ أعود إلى طنجة التي تزوجتها زواجاً كاثولوكياً لا انفصام فيه، اذا مت اعود الى طنجتي”.