التقاعد الاختياري ليس حلاً للبطالة

0
36

في خطة عمل الحكومة للأعوام بين 2018 – 2022 والتي كانت معنونة بـ “أمن اقتصادي واجتماعي مستدام في إطار توازن مالي”، وفي الجانب الاقتصادي والاجتماعي نص على “دفع القطاع الخاص ليتبوأ دوراً أكبر كمحرك رئيس في عملية التنمية لخلق فرص نوعية للمواطنين للعمل والاستثمار” و”إعادة رسم دور القطاع العام من المحرك الرئيس إلى المنظم والشريك”.

كما تضمن أيضاً “الاستعانة بالقطاع الخاص في تقديم بعض الخدمات الحكومية مع المحافظة على بحرنة الوظائف وجودة الخدمات المقدمة” …

ما مدى نجاحنا في تطبيق هذا الجانب من خطة عمل الحكومة وما النتائج التي جنيناها؟

لقد كان أول إجراء حكومي بعد إقرار خطة عمل الحكومة ومن أجل خلق توازن مالي لتقليص المصروفات في البند الأول وهو بند مصروفات القوى العاملة في القطاع العام هو برنامج التقاعد الاختياري، والذي نتج عنه إخراج ما يقارب من 9000 موظف وبنسبة تقارب الـ 20% من العاملين في القطاع العام على التقاعد المبكر.

وإذا ما تفحصنا النتائج المترتبة على تطبيق هذا البرنامج يتضح الآتي:

  • تدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في جميع القطاعات التي بان أثرها بشكل جلي في قطاعي الصحة والتعليم؛ مما استدعى إعادة توظيف بعض المواطنين وغير المواطنين.
  • استمرار وزيادة الاعتماد على العمالة الوافدة، وتأخير إمكانية بحرنة الوظائف بسبب خروج أعداد كبيرة من المواطنين (بعضهم كان مؤهلاً بحكم خبرته، أو كان يمكن تدريب من ليس له الخبرات المناسبة ممن تم إخراجهم على التقاعد المبكر وإحلالهم مكان هذه العمالة) مما سبب زيادة نسبة تلك العمالة الوافدة العمالة في القطاع العام وما يتبعه من استمرار بقائها من دفع تكاليف مالية تكلف الميزانية العامة مبالغ كبيرة.
  • تأثير تطبيق هذا البرنامج على زيادة نسبة العجز وتدهور الوضع المالي لهيئة التأمين الاجتماعي.
  • انخفاض المستوى المعيشي لمعظم المتقاعدين جراء انخفاض مداخيلهم عندما أحيلوا على التقاعد المبكر.
  • خسارة البلد لقوى عاملة وطاقات وطنية في سن العمل كقوى منتجة تساهم في العملية الإنتاجية، وتحويلهم إلى متقاعدين زاد من حدتها ما نتج عن انتشار جائحة كرونا وتبعاتها على الاقتصاد وخاصة أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وهي الأعمال التي لجأ إليها العديد من أفراد هذه الشريحة من المواطنين.

هذا بالإضافة إلى تحويل العديد من الخدمات المقدمة من القطاع الحكومي إلى شركات القطاع الخاص أو الاعتماد على القطاع الخاص لتزويد الحكومة بالعمالة والذي غالباً ما يعتمد على العمالة الوافدة الرخيصة، وإذا تم توظيف بحرينيين يكون بشرط دعم تمكين وباجور زهيدة وبانعدام الأمن والاستقرار الوظيفي. 

إن المتتبع لدور القطاع الخاص في الوقت الراهن وخاصة في ما يعنى بتشغيل المواطنين (ورغم كل برامج الدعم المقدمة) لا يرى  تلك النتائج المعول عليها، بل إنه مع استمرارية سياسات فتح الأبواب على مصراعيها لجلب عمالة رخيصة وبدون أية ضوابط كتلك التي اعتمدت في بعض بلدان الخليج الشقيقة ساهم ليس فقط باستمرار مشكلة البطالة وزيادة أعداد العاطلين وتقليص فرص العمل (حتى في قطاع العمالة غير المنظمة) بل إلى تدني الأجور، وبذلك تدني مستوى معيشة المواطنين، والتي ساهمت فيها كذلك زيادة الضرائب وإيقاف زيادات المتقاعدين .

طوال عدة سنين وتحديات سوق العمل المتصلة بسياسات التشغيل هي في مقدمة التحديات التي نواجهها، وما حدّ من تفاقم أعداد العاطلين التي أفصحت عنها دراسة مكنزي في بداية المشروع الإصلاح وبنسبة لم تكن الأرقام الرسمية تفصح عنها، والتي وصلت حينها إلى ما يربو على العشرين ألفاً وبنسبة تقارب الـ 16%.. هو استيعاب وزارات الدولة وخاصة الخدمية منها بالإضافة إلى الشركات الحكومية، فتقلصت أعداد العاطلين وحدّت من تبعات تعطلهم الاقتصادية والاجتماعية.

لم يكن لشركات ومؤسسات القطاع الخاص (المعتمِد أساساً وبصورة تتزايد يوماً بعد يوم على الدعم الحكومي) دور أساسي ومهم في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين في تقليص أعداد العاملين البحرينيين، بل ظل محافظاً وبصورة متزايدة على الاعتماد على العمالة الوافدة متخلياً عن مسؤوليته الاجتماعية.

والآن تعود مشكلة العاطلين مرة أخرى خصوصاً مع توجه الدولة لتقليص دور القطاع العام، وذلك بعد خصخصة تلك القطاعات، ومع اعتماد سياسات وقرارات سلبية (كقرار العمل المرن وفتح الأبواب لمزيد من العمالة الوافدة بدون أية ضوابط وغيرها من القرارات في هذا الاتجاه).. مما يستدعي وقفة جادة وشفافة لمراجعة تلك السياسات التي لها من التبعات السلبية الكثير على المواطنين والبلد.