في هذه الأيام تمر بلادنا البحرين بأجواء الانتخابات البرلمانية للمجلس النيابي والمجالس البلدية، وتصحب هذه الأجواء دعوات مستمرة للمقاطعة بحجة عدم جدوى تلك الانتخابات من جانب، وسباق محموم من المترشحين في جميع الدوائر الانتخابية من جانب آخر، وحيث أن الترشح حق يكفله الدستور والميثاق الوطني لكل مواطن يجد في نفسه الكفاءة لخدمة الوطن والمواطن، فلكي يثبت المترشح كفاءته لابد له من عرض برنامجه الانتخابي الذي يتضمن نبذة موجزة عن سيرته الذاتية وأهدافه الوطنية الرامية نحو التغيير وتطوير المسيرة الديمقراطية في البلاد.
إن البرامج المتعددة للمترشحين هي بالتأكيد الضامن الأساسي لكسب أصوات الناخبين للوصول إلى قبة البرلمان، وهذا يتطلب جهداُ واسعاً أمام تحديات المقاطعة المستمرة، لاستمرارية العملية الانتخابية للحياة البرلمانية والتي من خلالها يكتسب المواطن وبالأخص النائب، عن هذه الدائرة أو تلك، الحصانة للتعبير عن هموم عامة الناس ومعالجة مشاكلهم بكل أريحية دون التعرض للمساءلة القانونية، ومن هنا تبرز ضرورة المشاركة لا التبعية لدعاة المقاطعة، علماً بأنه من خلال استمرارية الحياة البرلمانية يمكن معالجة الملفات العالقة والمستجدة بصورة تخدم مصلحة الوطن والمواطن، لاسيما أن الوضع في البحرين اليوم يواجه ملفات عديدة تتطلب معالجتها، ومنها على سبيل المثال: ملف المتقاعدين والبطالة وغلاء المعيشة المتمثل في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية، إلى جانب مسألتا السكن والتعليم وغيرهما من الملفات التي تهمّ غالبية المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود.
إن المصاعب والعوائق التي تبرز أمام المواطن جراء مقاطعته للانتخابات النيابية تكمن في كيفية معالجة ازماته المعيشية دون الدخول في متاهات ليس لها أول ولا آخر، لذلك ينبغي الأخذ بعين الاعتبار التجارب العديدة السابقة للحياة البرلمانية والتي تؤكد ضرورة المشاركة في صنع القرار السياسي عبر المجلس النيابي والمجالس البلدية بصورة تدريجية، حيث أن تاريخ الحياة البرلمانية في جميع البلدان واضح تماما بأنه لا يمكن تحقيق أماني الشعوب وطموحاتها في العيش الكريم بين ليلة وضحاها أو في دورة واحدة، أو حتى في عشر دورات من الحياة البرلمانية، وكما هو الحال في بلادنا البحرين التي ما زالت تسير في البدايات الأولى من الحياة البرلمانية من أجل تحقيق الديمقراطية، فإن هذا يتطلب من الناخبين نفساً طويلاً وصبراً بلا حدود والإصرار بقوة وفي كل الظروف على المشاركة الفعلية في العملية الانتخابية لإيصال أفضل المترشحين وأكثرهم كفاءة لخوض الحياة البرلمانية واثبات فاعليتهم في التصدي للمشاريع التي يتم طرحها للمناقشة وإقرارها عبر قبة البرلمان من جانب، وإيجاد الحلول المناسبة لتلك المشاريع من جانب آخر.
إن مثل هذا العمل يتطلب من المترشح للحياة البرلمانية خبرة ودراية قانونية وسياسية كي يتمكن من معالجة بؤر الفساد المتفشية بشتى أنواعه، من فساد مالي وفساد إداري، الموجود في جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية والشركات الاستثمارية حسب ما أشارت له العديد من التقارير الصادرة عن ديوان الرقابة المالية، وهذا الفساد حجر عثرة في وجه كل مواطن لتحقيق حلمه في الحياة التي يسودها العدل والديمقراطية والعيش الكريم.
من كل ما سبق ذكره يمكن القول إن سبيل المقاطعة للانتخابات البرلمانية هو طريق مسدود لا طائل من وراءه، وأن المشاركة الفعلية هي الطريق الأمثال لحلحلة الأوضاع الصعبة التي يعاني منها الوطن والمواطنون على حدٍ سواء.