لا أوهام لدينا حول قدرة البرلمان، وحده، على إحداث تغييرات جوهريّة في المسار السياسي في البلاد، خاصة مع التّقليص المضطرد لصلاحياته التّشريعيّة وتقييد استخدامه للأدوات الرّقابيّة التي ينصّ عليها الدّستور، ومنذ استئناف الحياة النّيابيّة في العام 2002، واللائحة الدّاخليّة للمجلس تعاني من ثغرات كثيرة، وبذلت عدة محاولات من أجل سدّها دون جدوى، بل أن ما يجري إدخاله عليها من اضافات عشية وفي كل فصل تشريعي تزيد من هذه الثغرات.
التّغييرات الجوهريّة المنشودة في المسار السّياسيّ هي مهمة وطنيّة شاملة، يجب أن تنهض بها، بالإضافة إلى السّلطة التّشريعيّة، الحركة الوطنيّة ومؤسسات المجتمع المدنيّ والصّحافة والرّأي العام، ويستلزم هذا، أيضاً، أن تدرك الدّولة أهمية هذه التغييرات من أجل مصلحة الوطن واستقراره وتطوّره في المجالات المختلفة، وهذا لن يتم إلا عبر استراتيجية شاملة تضع في مقدمة أولوياتها محاربة الفساد والنّهوض بالوضع المعيشي للمواطنين، ولا شك أن حرية الرّأي والتّعبير وتوسيع الدّور التّشريعيّ والرّقابيّ لمجلس النواب هي في مقدمة شروط نجاح مثل هذه الاستراتيجية.
اختار المنبر التقدمي لقائمته الانتخابية “تقدّم” الشعار المعبر: “ليبقى الصّوت الوطني حاضراً”، وهو مستوحى من الشعار الذي رفعته القائمة نفسها في انتخابات العام 2018: “ليكن الصّوت الوطني حاضراً”، وهذا ما نجحنا في تحقيقه عبر كتلة “تقدّم”، التي كانت على مدار السنوات الأربع الماضية صوتاً وطنياً مدافعاً عن حقوق الناس ومتصدياً للفساد، وناقلاً ما نطرحه من أهداف ومطالب إلى قبة البرلمان لتصل إلى أوسع القطاعات.
ورغم أن غالبية النوّاب في الفصل التشريعي المنقضي وقفت ضد مصالح النّاخبين والشّعب عامة في أكثر الملفات مساً بقضايا وهموم المواطنين، إلا أن “تقدّم” استطاعت وبالتعاون مع عدد ليس بقليل من النّوّاب أن تتخذ الموقف النقيض، وتقدّم النّموذج لما يجب أن يتحلى به النائب المعبر عن الشّعب من صفات والتزامات.
لم تعد تفصلنا سوى أيام قليلة على موعد الاستحقاق الانتخابيّ، وما زالت الفرصة متاحة للناخبين لإيصال نوّاب أكفاء تزكيهم مواقفهم الوطنيّة وانحيازاتهم الشّعبيّة، وفي مقدمتهم مرشحي “تقدّم”، وعدم الانجرار وراء الوعود الزّائفة التي يطلقها كثير من المرشحين، رغم معرفتهم سلفاً بأنهم ليسوا أهلاً لتحقيقها.