هكذا تُطوّع كامليا المصطلحات وتروضها، عندما تستخدم أسطورة الميدوسا، تلك الغرغونة ذات الرأس المغطى بالأفاعي بدل الشعر والتي ما إن ترمق أحداً حتى تحيله إلى حجر!
لكن ما هو وجه الشبه في ايرلندا جويس مع الميدوسا؟
ربما تشير الكاتبة هنا إلى الأرض الأنثى!
فجويس يتغنى بوطنه ويحتفي به وبناسه في كتاباته. من أهالي دبلن إلى أوليسس. شوارع ايرلندا، مبانيها، بحرها وحقولها.. إنها أنثاه الطاغية وهي رحم الأرض؛ بذلك تكون عمق الغرغونة أو الأيقونة، الميدوسا الساحرة.
من منا نحن الكتاب من صوّر أرضه/ وطنه بهذا السحر!
قليل جدا في كتابات العرب، لأن البشاعة طاغية والجروح غائرة في عمق النفس. ربما وحده فؤاد الخشن، يبزغ في ذاكرتي حينما يحمل الشويفات ويتغنى بها، دفء الشتاء، لمّة الأحباب قرب النار، فتنة البساتين وسحر البلابل الصادحة.. لكن ذلك في زمن ولّى، فبيروت لم تعد بيروت والشويفات لم تعد ربما بفتنتها الأولى، ولبنان كله أضحى غرغونة أو أيقونة مقلوبة.
عجيب أمر هذه الأساطير التي لازال العالم يتنفسها من عمق الغرب إلى أطرافه وحتى الشرق البعيد البعيد.
ربما يأتي يوما نبعث فيه أساطيرنا لتصبح أيقونات ثقافيّة …
لكن ذلك بعيد جداً، فوادي عبقر ما هو إلا وادٍ للعقوق وللجنون.
المجانين وحدهم من حلموا في تغيير هذا العالم، لكننا لم نصغ لهم، سمعنا أصوات الخبراء الأغبياء .. هؤلاء نقيض فيض الحياة، إنهم رموز التفاهة في كل مكان… هم البوم الناعب في وصفات صندوق النقد الدولي، حين يُجدولون المآسي على شهور العام، يسرقون حتى الخبز من الأفواه.
ويبقى الحالمون بهاليل زماننا، المتوارون عن الأنظار، لا يزالون يُخلّقون أيقوناتهم الفردية في بيئات تفتقد أبجديات العمل المشترك. وقد يقال هنا إن الإبداع فردي دوماً ولم يكن في لحظة عمل جماعي، وهذا صحيح. التراكم كان نتاج تجارب فردية ترفد بعضها بعضا وتغدو بناءً يمكن التشييد فوقه.
هذه الأيقونات أو الغرغونات يمكن تحويلها إلى آلهة تمر، نعبدها حينا ونأكلها حين الجوع وهذا يُعيدنا إلى الوراء في مسارات الجاهلية!
نحن نحتاج إلى أيقونات خالدة لا تذوب ولا تؤكل بل تصبح آكلة وناخرة لأسس بالية ومؤسسة لقواعد صلبة.
نحتاج إلى من يحمل وطنه أيقونة يعبر بها إلى العالم ويعبر العالم منها إلى وطنه.
كما فعل إيفو أندرتش وهو يصوغ ملحمة التاريخ البوسني؛ ليخلد الجسر والمدينة، في جسر فوق نهر درينا، فتصبح الرواية جسرا آخر مبني بالكلمات الخالدة المتوهجة!