السجالات حول الانتخابات النيابية في الثاني عشر من شهر نوفمبر الحالي بدأت مبكراً، بما فيها دعوات المقاطعة وهي تختلف في مضامينها وأهدافها عن السابق بما تحمله من حدّة تجاه المشاركين فيها أفراداً وجماعات، وتشارك فيها اتجاهات وأطراف وأفراد عدة يجمعها عنوان واحد وهو المقاطعة.
المشاركة والمقاطعة حق لكل جماعة أو أفراد، ويحق لأي إنسان بأن يعبر عن آرائه ومواقفه تجاه هذا الحدث أو ذاك، إذا كان المرء يؤمن بالديمقراطية كمنهج وأسلوب في الحياة السياسية، والانتخاب هو جزء من الممارسة الديمقراطية، ولكن السؤال الذي يبرز بشكل كبير أمامنا، كيف تتعاطى القوى والأطياف السياسية، عندما يبرز التباين والاختلاف في تقييم التجربة والتحديات التي تواجها، وماهي لغة التخاطب أو لنقل توصيل الفكرة أو الرأي للناس، هل يكون ذلك عبر لغة التخاطب بالإكراه أو التكفير والتخوين أو إسقاط قضايا سياسية في شعارات وبوستات مليئة بالترهيب والترغيب .
هذا ما يحدث في وسائل “السوشيل ميديا”، كما لو كانت تلك الجماعات والأفراد هم أصحاب القرار السياسي أو بيدهم السلطة على الشارع، ماذا سيفعلون مع الذين يختلفون معهم في الرأي والموقف؟ لن تكون المطالبة بالديمقراطية الحقَّة وتعزيز الحريات العامة، أولويات ولن تكون في قاموسهم، فكيف بمن يدّعي بأنه يناضل ضد الظلم والاستبداد، أن يمارس ذلك الفعل المشين مع المختلف معه في الرأي.
ربما يقول قائلٌ: وهل مجلس النواب الحالي يقوم بدوره الرقابي والتشريعي، بصفته السلطة التشريعية التي يجب عليها أن تمارس دورها الدستوري في الرقابة والتشريع وتصدر القوانين والتشريعات من أجل الصالح العام؟
نعم نتفق بأنه على أعضاء مجلس النواب الفائزين في الانتخابات القادمة تصحيح المسارات الخاطئة في الدورات السابقة والتي قلّصت من صلاحيات المجلس، وبدلاً من المطالبة بمزيد من الصلاحيات، يتم تقليصها، وعلى هؤلاء النواب النأي بأنفسهم عن أجندة الحكومة، ومحاسبتها على التقصير في أدائها، وأن يضعوا مصالح المواطنين فوق أي اعتبار، فالمجلسُ منتخبٌ من الشعب ويمثل الشعب، لا الحكومة.
ناضل شعبنا منذ العشرينيات من القرن الماضي من أجل قيام مجلس تشريعي في البلاد، وإذا بالسلطة التشريعية الحالية لا تمثل آماله وتطلعاته في مستقبل أفضل، وتقف عاجزة أمام تلك التطلعات الشعبية المعقودة عليها، لهذا تبرز المعوقات أمام التجربة البرلمانية في البلاد، ولا غرابة بأن تسمع وتقرأ تلك الآراء المتوترة والحادة والانفعالية، وزادها تصلباً وحدّة استمرار العزل السياسي لقطاعات واسعة من الشعب بحرمانها من حقها في الترشيح والانتخاب.
ويبقى السؤال: لماذا المشاركة في الانتخابات وتحديداً في “مجلس النواب” في ظل تلك النواقص وقلة الصلاحيات، وهيمنة وسطوة الحكومة على العديد من أعضاء مجلس النواب ولجانه وتمرير القوانين والتشريعات التي تريدها؟
هي مهمة صعبة ولكن العملَ السياسي متحركٌ، ومن المعروف أن التراكمات تؤدي إلى تغيرات كبرى وهذا لن يأتي من خلال رفع الراية البيضاء والتسليم بذلك الواقع المفروض والمعيق للعمل السياسي والبرلماني، هو بمثابة مهمة نضالية هدفها التغيير والإصلاح السياسي يُراد لها النفس الطويل وإرادة قوية تنشط في تلك الأجواء الملبدة بالغيوم، بالوقوف بشجاعة في وجه الفساد والفاسدين وسارقي المال العام، ورفض الخضوع لأجندة الحكومة لكيلا تمررها.
على المرشحين المشاركين في هذه الانتخابات، أن يجعلوا من الدفاع عن برنامجهم الانتخابي أولوية في حالة الوصول إلى قبة البرلمان، فهو بوصلتهم في العمل النيابي على الصعيدين التشريعي والرقابي، وأن يدعم ذلك التوجه تفعيل الحراك السياسي والجماهيري خارج البرلمان من خلال التواصل مع المواطنين واطلاعهم على ما يجري في دهاليز المجلس، كما تبرز أمامنا ونحن مقبلون على الانتخابات بعد أيام مهمة العمل على زيادة إعداد النواب المدافعين عن مصالح ومطالب الناس، والتأكيد عليهم، بعد فوزهم، بأنهم منتخبون من الشعب وعليهم التمسك بمطالبه والدفاع عنه .
لتحقيق هذا التوجه الوطني الديمقراطي يتطلب إيصال الكفاءات الوطنية القادرة على القيام بتلك المهام الوطنية في مجلس النواب، ليكون ممثلاً للشعب بحق.