القداسة في المصلحة العامّة

0
25

في بعض الأوقات، تتطلب منا بعض المراحل التي نعيشها، الكثير من المواقف الواضحة. هذه المواقف التي تحمل من الأهميّة والمكانة، ما يجعلها راسخةً في أذهاننا. والعنوان الذي قمنا باختياره أعلاه، هو محاولة من أجل تعريف وتوضيح الفكرة الرئيسية، المتمثلة في المصلحة العامّة.

إنَّ المبادئ الثقافية والفكرية التي نتبناها ترفض التقديس، فهو بيئة التراجع والجمود. والنهج الرئيسي الذي نثق به دائماً، هو البحث والنقد والتطوير. ولكن طبيعة المرحلة التي نعيشها تستدعي استخدام الكلمات الواضحة والاستثنائية.

أعتقد أنَّ المرحلة التي نعيشها اليوم في البحرين مليئة بالمسؤوليات، المتراكمة والمنسية؛ ولها أسبابها وتاريخها، التي تحتاج إلى الكثير من البحث، لدراستها ومعالجتها. ومسألة التراجع والتقدُّم في الدول والمجتمعات، نسبية وتصاعدية، وهي مرتبطة بالسياسة والاقتصاد. ومن خلال تاريخنا المعاصر، الذي نتعرّف عليه يوماً بعد آخر، نستطيع أنْ نرى من خلاله بلدنا عبر مرحلتين: الأولى عبر نشوء الدولة الحديثة، مطلع السبعينات، أي بعد الاستقلال. والثانية في بداية العهد الجديد، مطلع الألفية؛ والتي أراها بداية للنمو والارتقاء، على مستوى تطوير المؤسسات والخدمات، وصولاً إلى المستوى المعيشي والاقتصادي في المجتمع البحريني.

المصلحة العامّة في الدول والمجتمعات، لها مكانتها دائماً في الوعي والضمير العام. وعندما تتراجع هذه المكانة، والتي تصل أحياناً إلى مستوى الغياب، تكون عند ذلك النتائج، سيئة ومكلفة جداً.

المسؤولية على الإنسان البحريني في هذه المرحلة كبيرة جداً، من أجل فهم ومعالجة التحدّيات المرتبطة بالوعي والإدراك، للمصلحة العامّة. هذه المصلحة العامّة التي بدأت مرحلة الانهزام والتراجع الكبير، من خلال البوابة الاقتصادية والمعيشية، والتي وصلت إلى مشاريع “الخصخصة” التي تساهم بتفكيك المؤسسات الرسمية، ومكانة الدولة في الإدارة والرقابة المالية؛ من أجل حماية الميزانيات العامّة، للحاضر اليوم وللأجيال في المستقبل.

إن معنى كلمة السياسة، هو التنظيم والإدارة. وهذا المعنى، هو الذي يقودنا إلى الخلاصة الواضحة، التي من الطبيعي أنْ تكون حاضرة في الثقافة العامّة، من أجل معالجة التدهور الذي يؤدي لتراجع المصلحة العامّة. لذلك أعتقد أنَّ معالجة السياسة والاقتصاد، تبدأ أولاً بمعالجة الأفكار. هذه الأفكار التي تتجه نحو التطوير والإصلاح الدائم؛ ذلك الذي يساهم بالنهوض والارتقاء، بالمؤسسات العامّة ومشروعات التنمية، الحقيقية والهادفة، المربحة للاقتصاد البحريني العام، والمربحة للبحرينيين أيضاً.

إنَّ الطريق إلى الارتقاء والتقدُّم تتطلب الكثير من العمل والمسؤولية. ولذلك أعتقد أنَّ جوهر الأزمة الحقيقي، هو في الجمود والسلبية، الموجود لدى المفاهيم السائدة، في التنظيم والإدارة؛ أي في التفكير التقليدي، البعيد عن ثقافة التقـدُّم. وفي سياق هذا الموضوع، تستحقُّ منا كلمة المسؤولية الكثير من العناية والاهتمام، لأنها إشارة واضحة على التراجع الذي نتحمّله جميعاً؛ من الفئات الأكثر تأثيراً وحضوراً على القرار والمصلحة العامّة، إلى الفاعلين والمؤثرين في العمل السياسي والشأن العام. وبالتأكيد لا ننسى مسؤولية الفرد في هذا الشأن، من خلال المكانة والفاعلية، التي يساهم بها في التطوير والتغيير.

المجتمع هنا أيضاً، يتحمّل دوراً كبيراً في مسألة التراجع والتقدُّم؛ من خلال القيم والأفكار التي تعيش في الوعي العام لديه. وثقافتنا الاجتماعية خاضعة للتقاليد السيئة؛ التي تعمل على إلغاء الفرد، ولم تستوعب بعد، المكانة والمسؤولية في الحرية الشخصية. إنَّ هذه التقاليد والعادات، تُحيلنا إلى أفراد وفئات غير جديرة بالحياة، وفقيرة جداً عن الغنى الكامن والموجود في التعددية والاختلاف. ثم بعد ذلك يكون التساؤل: لماذا هذا التراجع والانهزام في الحياة؟ أعتقد أنَّ الإجابة موجودة لدى التفكير والاتجاه المتراجع، عن المصلحة الحقيقية، المصلحة العامّة.

إنَّ التحدّيات الموجودة في الحاضر اليوم، هي بمثابة الفرص العظيمة، التي نستثمرها لبناء الحاضنة الأفضل؛ على ضوء المسؤولية والإخلاص لقيم المصلحة العامّة. ومن العدالة أنْ نوضّح مسار هذه القيم الهادفة، التي هي بلا شك، أرقى وأكثر أهميّة من المصالح المذهبية والفئوية. وهذه “المصالح” الأخيرة، بعيدة كل البعد، عن قيم التقدُّم والخير العام. إنَّ معاني المصلحة العامّة تملؤنا بأحاسيس النزاهة والشرف. هذه الأحاسيس التي عندما نتعرّف عليها حقاً، لا نستطيع القبول بالأدنى منها. المسؤولية في بناء الحاضر وتشييد المستقبل الأفضل، هي من المسؤوليات الطبيعية والضرورية لوجود الإنسان في هذه الحياة. وعن طريق هذه الأفكار الواضحة، المتمثلة في الوعي وتحمُّل المسؤولية؛ نستطيع اكتشاف الأهميّة والمكانة، للاستقرار الإنساني في حياتنا، من خلال دور الفرد في تحسين هذه الحياة وتطويرها، نحو الغايات النبيلة. وعند البحث عن هذه الغايات، لا نجد ما هو أكثر أهميّة وعدالة، من المصلحة العامّة.