من بين الأمور الكثيرة المتداولة في حياتنا، تبقى هنالك أمور بعيدة عن التداول والسؤال، مما يجعلها في قائمة النسيان؛ على الرغم من أهميّتها وتأثيرها على حياتنا ووجودنا. وموضوع التقـدُّم، هو أحد أكثر الأمور أهميّة، من أجل أن نعرف، إلى أين وصل به المطاف في مجتمعاتنا ودولنا.
عندما نحاول الإضاءة على فكرة التقدُّم، من الجدير أنْ نتذكر السياق التاريخي للمجتمع الذي نعيش فيه، على مستوى الثقافة والقيم والأهداف. ومع المعرفة الصحيحة والموضوعية، نستطيع تقييم تجربة التقدُّم في هذا المجتمع.
الدول والمجتمعات الحديثة في تجارب التقدُّم، من الطبيعي أنْ لا تكون على مكانة رفيعة وعالية في مسألة التقدُّم. ولكنها تتخذ من مراحله الأولى، النضج والخبرة والمسؤولية، للإنتقال إلى المراحل التالية؛ من خلال التحديث والتطوير، الذي له الكثير من الضرورة والأولوية في عالم اليوم.
ما هو التقدُّم الذي ننشده في حياتنا؟ هذا السؤال، هو بداية الطريق لتحقيق غاية التقدُّم. لذالك عندما تبدأ القيم الاجتماعية بمواجهة نفسها، عن طبيعة الحياة التي تنشدها، تكون قد بدأت بوضع الخطوة الأولى لتحقيق هذه الغاية الأفضل، من خلال خطوة التفكير والتساؤل. وهذه الخطوة الأخيرة، قد تبدو مستغربة في زمننا الحاضر؛ ولكنها موجودة وكامنة في العمق البنيوي والثقافي للمجتمعات التي نعيش فيها، وهي بداية الطريق الصحيح، لمعرفة جوهر الأزمة الحاضرة.
إنَّ فكرة التقدُّم ليست فكرةً عابرةً أبداً، لأنها تشمل جميع شؤون حياتنا، وأحد أهمّ معانيها الهادفة والرئيسية؛ هي مكانة الفرد والحرية. ومكانة الفرد في مجتمعاتنا، بحاجة إلى الكثير من الوعي والمسؤولية؛ لإعادة الاعتبار إلى الدور والشخصية، التي تواجه الإلغاء الشامل، من قبل المفاهيم التقليدية والموروثات الجامدة.
عندما نتكلم عن التقدُّم في الفرد والإنسان، نتذكر جميع أطياف وفئات المجتمع: الطفل والشباب، الرجل والمرأة. وهذه الفئات لا تتكوّن من الفراغ، بل من الأسرة والتربية والتعليم والمجتمع والثقافة؛ وهنا تتبلور غاية التقدُّم، في النشوء والنضج والتكوين، وفي الشخصية والقيم؛ من خلال التربية الحديثة، على قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة وثقافة الاحترام الإنساني.
الطريق إلى التقدُّم الاجتماعي ليس طريقاً سهلاً أبداً، فهو يواجه التكوين الثقافي التقليدي في المجتمعات. ومجتمعنا الذي نعيش فيه اليوم، المجتمع البحريني، مثالٌ واضحٌ على ذالك؛ من خلال الأفكار التقليدية ومفاهيم الجماعة، التي تلجأ دائماً إلى العادات والتقاليد، وتنظر غالباً إلى التحديث والتقدُّم نظرة الخوف والتردد، بعيداً عن المسائلة أو المفاضلة؛ بين منطق التقاليد القديمة وقيم التقدُّم الحديثة.
عندما نناقش الموضوعات المهمّة والمرتبطة بالمجتمع والإنسان، لا ننسى المسؤولية ومعانيها، التي لا تتوقف عن سؤال الإنسان، عن دوره في هذه الحياة؛ في تحسينها نحو الأفضل، أي نحو الخير والهناء والاستقرار، ومن أجل الحاضر والمستقبل، الذي نقوم بتكوينه وصياغته بأنفسنا، من خلال الثقة في النفس والشجاعة، لإختيار الأفضل والأرقى، لحياتنا الحاضرة والعصرية.
هل يتراجع التقدُّم؟ هو سؤالٌ يمنحنا فرصة التأمل في هذه الحياة، من أجل تقييمها وتقدير مكانتها، بين الأمس واليوم، وبين اليوم والغد، على ضوء الاحترام الإنساني؛ الذي له الكثير من الأهميّة في المجتمعات المتمدّنة والعصرية. التقدُّم هو مثال الحياة الأرقى، المليئة بالكثير من الاحترام والوضوح والنضج، هو صورة الحضارة عند الأمم والمجتمعات. لذالك يكون سؤال التقدُّم في مجتمعاتنا ودولنا، هو سؤال المصير بين نظرة الماضي ونظرة المستقبل، من خلال مسؤولية الاختيار بين النظرة الأولى والنظرة الثانية.
الحياة والفرد، الوجود والمسؤولية، الماضي والحاضر؛ هي ثنائيات مهمّة، أصبحنا مرتبطين بها في حياتنا، التي لم يتوقف التحديث والتقدُّم فيها يوماً، ولكنها متوقفة على دور الإنسان ومستويات الارتقاء التي وصل إليها، من أجل الثقة والقدرة، للإجابة على سؤال التقدُّم.