ماذا يعنِي لكَ الوطنُ ؟!

0
221

سُئِلَ الفيلسوفُ الفرنسيُّ جانْ جاكْ رُوسُو: ما الوطنُ؟

فأجابَ: الوطنُ هو المكانُ الذي لا يبلغُ فيهِ (مُواطنُ) مِنَ الثّراءِ ما يجعلهُ قادرًا علىٰ شراءِ (مواطنِ) آخرِ، ولا يبلغُ فيهِ (مواطنُ) منَ الفقرِ ما يجعلُهُ مضطرًا أنْ يبيعَ نفسَهُ أو كرامتَهُ.

فهوَ ليسَ سُؤالًا تجيبُ عليهِ وتمضِي.. إنّهُ حياتُكَ وقضِيَّتُكَ معًا.

لِذا تُعدُّ قضيّةُ المواطنَةِ والوطنيّةِ مِنَ القضَايَا المُهمّةِ التِي أشَغلتْ کثيرًا منَ المُفکّرِينَ والفَلاسِفةِ ، ودعاةِ السّلامِ العالمِيّ والأَخْلاقِ، ومنْ بينَ هؤلاءِ ستيفن ناثانسون الّذي تنَاولَ القضيةَ منْ منظُورٍ سياسِيّ، وأخلاقِيّ، وعالَمِيّ؛ حيثُ دَعا للمُواطَنةِ العَالَميّةِ المُرتبطَةِ بالمَنفعَةِ العَامَةِ، وخاصةً منْ مُنطلقِ نفعيّةِ القَواعِد الأخْلاقِيّةِ، کَما کانَ لاهتِمامِهِ بالوطنِيّةِ النّصِيبُ الأکبرُ فِي فلسفتِهِ، فأَوضَحَ المقصودَ مِنْها، وفرَّقَ بينَ أَنواعِ الوطنيّاتِ المختَلفةِ ، وقدَّمَ نَوعًا جديدًا للوطنيّةِ أسْماهُ: “الوطنيّةُ المعتَدلةُ”، وحدَّدَ سِماتَ الوطنِيّ المُعتَدلِ، وموقِفَهُ منْ التَّحيُّزِ والحِيادِيّةِ تِجاهِ مواطِنِي الدّولِ الأُخرَىٰ، وأکّدَ أنَّ ضَياعَ الوَطنِيّةِ ذاتَ الطّابعِ العَالمِيّ والإِنْسانِيّ هوَ الطّريقُ لِنُشُوبِ الحُرُوبِ وانْدِلاعِها.

وفقًا لِذلِكَ يُمكنُ أَنْ تُحدّدَ الوطنيةُ علىٰ أنَّها حُبُّ الفردِ لِوطَنهِ وتَماهِيهِ فِيهِ، واهتِمامُهُ الخاصُّ بِما هوَ خَيرُ لوطنِهِ ومواطِنِيهِ.
يعتَقدُ الكثيرُونَ أنَّ الوطنيّةَ تعْبِيرٌ طبيعيٌّ وملائِمٌ عنِ ارتباطِ الفردِ بِالبلَدِ الذِي ولِدَ وتَربّىٰ فِيهِ وينتَمِي إِليهِ، وعنْ عرفانِهِ بالجميلِ لمنافِع الحَياةِ فَوقَ أرضِهِ ووُفقَ قَوانِينِهِ.

إنَّ الوَصفَ الأَشملَ للوطنِيّةِ يكمِنُ فِي فضائِل البلدِ، وأنْ يكونَ مُرتبطًا بِماضٍ ومُستقْبلٍ يتَجاوزانِ الهُمُومَ الضيِّقَةَ للحياةِ الفَرديِّةِ واهتمامَاتِها الدُنْيويَّةِ. بالإِضافةِ إِلىٰ التَّطرُّقِ  للشُّروطِ الاجتِماعِيّةِ والسِّياسيَّةِ الَّتِي تُؤثِّرُ فِي انحسارِ وتَدفُّقِ الوطَنيَّةِ ، وتَأثِيرِها الحضارِيِّ والسِّياسِيّ وغيرِهِم…

الوَطنيَّةُ منَ النَّاحيةِ الفَلسفِيَّةِ تتَضَمَّنُ:

-عاطِفةً خاصّةً للفردِ تجاهَ وطنِهِ.

-إحساسًا بالتّمَاهِي الشَّخصِيّ معَ الوطَنِ.

-اهتِمامًا خاصًّا بخَيرِ وصالِحِ الوطنِ.

-استعدادًا للتّضْحِيَةِ لتَعزِيزِ خيرِ ومَكانَةِ الوطَنِ.

وعندَما يُسأَلُ الوطنِيّ “مَا الذِي تَجِدُهُ جيِّدًا فِي وطَنِكَ لِيجعَلكَ تُحبّهُ و تُصبحَ مواليًا لهُ؟”. لاشَكَّ أنُهُ سيجِيبُكَ: ما

يقدمُهُ وطنُهُ للمُواطِنِ مِنْ فضَائِلَ  ومُنجَزاتٍ.

إِنَّ الوطَنيّةَ تَقتَضِي تَأيِيدَ الفردِ لوطنِهِ بكلِّ الأَحوالِ؛  لأَنَّ ذلِكَ الوطنَ هوَ وطنُهُ وحسْبُ، والوَلاءُ يَكونُ للوطنِ “فِي المَقامِ الأَوَّلِ” ، وعليهِ نجِدُ الوطنيَّ مدفوعًا بوطنيتِهِ لأَنْ يُفكّرَ  فِي وطَنِهِ كمَصِيرٍ مقدّسٍ، بغضِّ النّظَرِ عنِ المَزايَا والمنجَزاتِ؛ إذ الوطَنيّةُ مِثلُها مثلُ أيَّةِ هُويَّةٍ فرديّةٍ كانتْ أمْ جمعيّةٍ تتعيّنُ فِي جُزءٍ منْها فِي الولاءِ الوَطَنِيّ.
                     
والوطَنيُّ المُعتَدِلُ يتَوقَّعُ مِنْ وطنِهِ الرّقَيّ إِلىٰ مستَوىً مُعيَّنٍ مِنَ المَعايِيرِ، ممّا يُحفِّزُه هَذا  لفِكرةِ دعمِ الوَطَنِ والإِخلاصِ لَهُ ، ويدفعُهُ لاستَمرَاريّةِ اهتِمامِهِ الخَاصِّ بخيرِهِ وصالِحِهِ…

وعلَيهِ نَجدُ اتباعَ الوطَنيَّةِ يُحِبُّونَ وطنَهُم بِدُونَ قيدٍ أو شرطٍ، ويَدعمُونَهُ مهمَا فعلَ طَالمَا أنَّ أمْنَهُ و”مصَالِحَهُ العُليا” الأكثرُ عمومًا فِي موضِعِ قَلقٍ.

وللوطنيةِ معاييرُ يقاسُ عَلَيها مَدَى انتماءِ الفردِ انتماءً صادقًا لوَطَنهِ ، ولعلَّ أبرزَ هذِه المعاييرِ  مايعرفُ بالفاعِليّةِ التَّطبِيقِيّةِ لا الأقوالُ والانفعالاتُ والشّعاراتُ  فقطْ ، فمَيادينُ الوَطنِ بحَاجةِ إِلىٰ وطنِيينَ فَاعِلين وعَاملينَ وليسَ لمُتمَظهِرِينَ ُمتلبِّسينَ بأَثْوابِ الوَطَنيّةِ القَولِيّةِ المُجرّدَةِ، ولا للمُطَنطَنِينَ بالشِّعارَاتِ دونَ أنْ يُحرِّكُوا سَواكنَهَم فِي القَضايَا الوَطَنيَّةِ السّاخِنةِ الّتِي تَمَسُّ الوطَنَ والمُواطَنَ عنْ قربِ ، وتَضربُ مصَالِحهُما ..

لِذا هُناكَ دافعِيّةٌ وطَنيّةٌ مخْتزَلةٌ فِي القُلُوبِ المُخلِصَةِ تَجعلُ مِنَ الوَطَنِيّ وثّابًا لِكلِّ عقَبَةٍ كَؤودٍ فِي وجْهِ الَوطَنِ، وتَدفَعُهُ لأنْ يُقَدِّمَ أَغلَىٰ مايَمْلِكَ َ دفَاعًا عَنِ الوطَنِ والمُواطِنِ ، نَعمْ هيَ وطنِيّةٌ تضَعُهُ فِي مَفْصلِ التّحدّي معَ كُلِّ المِحَنِ والمصَاعبِ التِي يَمُرُ بِها الوطنُ ، فيَخُوضُ المعَارِكَ والنِّضالَ نَصرَةً للَوطَنِ وتَضحِيَةً وفِدَاءً لَهُ .

ختَامًا لعلّنِي أُشيرُ  لأَمرٍ مُهمٍّ يُساعِدُ في بناءِ الوطَنِ ، أَلَا وهوَ التسامُحُ والتَّسلّحُ بالعلومِ العصرِيّةِ النافِعةِ لرقيِّ وتقدُّمِ الوَطنِ ، فكلُّ حضاراتِ العالمِ المعروفةِ ما قامَتْ إِلّا علىٰ أساسِ العلومِ والمعارفِ العصريَّةِ ، فَالوطنيةُ الحقّةُ تتَجَلّىٰ فِي أَبرزِ صورِها حينَ يسعىٰ الفردُ جاهِدًا فِي بناءِ وطَنِهِ علىٰ أساسِ العِلمِ والارتقاءِ بهِ إِلَىٰ مراتِب التّقدُّمِ والازدهارِ ليُشارَ للوطَنِ بالبَنانِ بينَ الأممِ المُتَقدِّمةِ .