الطلاق الطائر

0
51

                                    قصة قصيرة

كان الظلام والصمت والهدوء  يرونان على ركاب طائرة “اللوفتهانزا” الألمانية  القادمة من كندا مروراً بامستردام في طريقها إلى إحدى العواصم العربية، ولم يكن يخرق ذلك الهدوء سوى صوت مجلجل لحديث يبدو أنه من طرف واحد. هل هذا راكب يتحدث إلى نفسه أم أن الطرف الآخر أطرش او غير مسموع الصوت ؟

 اقتربت راكبة تجلس في الخلف من ذلك المقعد وتوجهت بنظرها إلى مصدر الصوت حيث يجلس رجل بجانب زوجته وابنه قائلة: معذرة يا سيد، أنت تتحدث بصوتٍ عالٍ وتقلق هدوءنا ومنامنا. عادت الراكبة الى مقعدها بخفة. استلقت وغطت عينيها بإحكام، وما هي الا لحظات حتى قام الراكب من مقعده وتوجه اليها بغضب: من أنت حتى تتتجرأي عليّ بهذا الكلام أيتها المنحطة؟

عاد إلى مقعده وراح يزبد ويرعد متوعداً ومهدداً ومتحدثاً عن حقه في الكلام أسوة بحق غيره في النوم، سرت همسات خافتة وسط الركاب وتوجهت الأنظار إلى مقعد الراكب، استيقظ النيام ورانوا بأبصارهم إلى الجلبة، بادرت كبيرة المضيفات بالتدخل وقامت بتوبيخ الراكب وأمرته باحترام المسافرين النائمين. استعادت الطائرة هدوئها وعاد الجميع إلى النوم مرة أخرى، التفت الراكب إلى زوجته وسألها: هل أعجبك هذا التصرف يا نرجس؟ لماذا تغطين وجهك يا “مرة” ؟ افتحي وجهك.

 ظلت المرأة ساكتة، إلا أنها تلقت تهديداً من نوع آخر . سوف أعدّ إلى الثلاث إذا لم ترفعي برقعك فأنت طالق، واحد،  اثنان،  ثلاثة. نفّذ الرجل وعيده وطلق زوجته بالثلاث، التفت الرجل إلى طفله الصغير الذي يجلس متوسطاً أبويه وسأله: وأنت يا عادل هل ستأتي معي إلى البيت أم ستذهب مع أمك إلى بيت خالك؟. لم يجب الطفل، وعاد الرجل موجها السؤال إلى طليقته، بيد أنها ظلت ملتزمة الصمت وأشاحت بوجهها عنه مصوبة نظرها نحو الشباك. اقتربت الرحلة من نهايتها فعاد الأب يسأل ابنه: هل ستأتي معي أم ستذهب الى خالك؟ قال الطفل: أريد أن أكون مع ألعابي  .

هبطت الطائرة والتقط المسافرون حقائبهم بينما أمسكت نرجس بيد طفلها الذي اصرّ على فتح حقيبتها واخذ كيس ألعابه، قبل خروجه من المطار تلقى الاب إنذارا يطلب مثوله لمكتب الأمن على خلفية شكوى تقدّمت بها راكبة على نفس الطائرة ادعت أنه أهانها وصرخ في وجهها، وفتح محضر تحقيق في الواقعة.

بعدها بساعة وقفت نرجس أمام مكتب الامن ذاته لتبلغ عن اختفاء ابنها. تمّ استدعاء الأب والأم إلى مركز الشرطة في المدينة صباح اليوم التالي للتحقيق في الواقعة.

ضابط الأمن: ما اسم الطفل وكم عمره وما علاقتكما به؟ 

الأب: عادل في العاشرة انه ابني وهذه أمه. 

الأم: أنا طليقته، زوجي طلقني البارحة في الجو ونحن في الطائرة 

ضابط الأمن متعجباً: في الجو ؟

توجه الضابط بالسؤال إلى الأب؟ ولماذا تطلق زوجتك في الجو؟ هل كان الأمر مستعجلا إلى هذا الحد؟

الأب: “قهرتني”.  قلت لها ارفعي نقابك فرفضت، هددتها بالطلاق فلم ترتدع 

الضابط متوجهاً بالسؤال إلى الزوجة: ولماذا لم تطعي زوجك؟ 

الزوجة: لقد تعرض لإهانة شخصية أو بالأحرى لصفعة لفظية، وأراد مني أن أشاركه في تلقيها، لقد غطيت وجهي خجلاً من نظرات ركاب الطائرة، ولتفادي الإحراج.

الضابط: أنتما في رحلة سفر والمرأة تقف مع زوجها في السراء والضراء. 

أضافت الزوجة: والإهانات؟ إنني يا سيدي أتعرض مع هذا الرجل العصبي المزاج لمواقف شتى و عديدة أمام طفلي وعائلتي وأمام الناس فأستعين بهذا النقاب للإختباء ولحماية نفسي من النظرات والسخرية والاستهزاء. 

الزوج: تغطي وجهها إمعاناً في اهانتي وانتصاراً لأعدائي وانحيازاً لخصومي، أقول لها مراراً: ابتعدي عن هذه الخصلة السخيفة، لا تغطي وجهك أثناء المحن التي أتعرض لها  قفي معي، تحدثي الي، خففي عني، ولا تغلقي على نفسك وتتركيني أعاني وحيداً. أضاف: ينتابني شعور أنها تضحك عليّ من خلف نقابها.

الضابط: لا عجب أن يهرب ابنكما من هذا الوضع! 

أجابت الزوجة: ابني على شاكلتي يرى نفسه مشوشاً وتائهاً في المواقف الصعبة والمهينة التي يزجنا فيها أبوه، وقد سمع أباه يطلقني مراراً، فيجد نفسه أمام أمرين كلاهما مرّ، فإما أن ينتهي أمره معي ومع خاله الذي لا يطيقه، او مع أبيه وزوجته الثانية، لقد هرب الولد فراراً من كل ذلك.

نشرت الصحف الخبر نقلاً عن مصدر أمني في المطار: هروب طفل في العاشرة من عمره على خلفية خلاف زوجي وخروج الزوجة عن طاعة زوجها.