فلسطين القضية التى لا تموت

0
41

بلادى الحزينة سوف تعود إلينا ويُشرق فجر جديد

سرقتم دياري وضوء نهاري، فصارت فلسطين شعباً شريد

وتحتفلون بيوم دماري .. أيوم دماري احتفال سعيد”



تلك أبيات من فضاء محمود درويش الابداعي، وهى من اولى قصائده نستعيدها فى مناسبة يحتفل فيها العالم فى 29 نوفمبر من كل عام، مناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو احتفال يواكب ذكرى اليوم الذى صدر فيه القرار المشؤوم، قرار تقسيم فلسطين رقم 181 عن الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947 .. وهو قرار كارثة ونكبة بكل المعايير والمقاييس .

احتفال هذا العام جاء وسط مناخ دولي واقليمي يسوده القلق والاضطراب وعدم الاستقرار، وتداعيات وتطورات هى الأخطر التى تحيط بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى الذى يعدّ الأكثر عرضة للاضطهاد والمعاناة فى العالم أجمع، يكفى القول إنه الشعب الوحيد الذى يقاوم ابادته من العدو المحتل، ومن كل الأعداء، ومن كل الأخوة الأعداء، وحتى الصامتين الذين بات صمتهم يصمّ الآذان.

 شعب محروم من الحصول على حقوقه المشروعة، يعانى كل أشكال القمع والاقتلاع والتدمير والتهجير وانتهاكات لكل القيم والمعايير الانسانية والقوانين والمواثيق الدولية، وكأن العالم قد أعطى الضمير العالمي اجازة وترك المحتل الغاصب يفعل ما يشاء بالشعب الفلسطيني، وجعل القضية الفلسطينية عرضة للمؤامرات والمزايدات العقيمة والحسابات الضيقة التى لا تخدم هذه القضية فى شئ، إلى جانب أنها تتعارض مع كل مفاهيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان التى يحمل لواءها أصحاب هذه الحسابات.

وفى الوقت الذى تتوالى فيه على الصعيد العربي الاجتماعات والتصريحات والبيانات ذات الصلة بهذه القضية والتى لا تملّ فيها الأطراف والجهات العربية من تكرار معزوفة الموقف الثابت والواضح تجاه القضية الفلسطينية، والتأكيد على مصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وفى مقدمتها حقه فى اقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إلا أننا نجد فى نفس الوقت من يهرول للتطبيع معها، وما ادراكم ما التطبيع، وما وراء التطبيع، وما سيجرّه من امور لا يمكن على الصعيد الشعبي أن تقابل إلا بالرفض والهجاء والاستهجان والاستنكار.

التطبيع اذا كان محتّماً او ملزماً لدول عربية طبعت، او تلك التى ستطبّع، او تحضّر نفسها للتطبيع، لكنه لم ولن يكون ملزماً للشعوب، وامامنا شواهد عدة، دول عربية، مصر والاردن طبعت منذ عقود، ووقعت اتفاقيات سلام، واقامت علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيونى، ولكن الشعوب العربية أبت الاقدام على اي خطوات تطبيعية مع كيان يمعن فى انتهاك كل القيم والمعايير الإنسانية والحضارية والمواثيق الدولية، واعتبرت التطبيع خيانة كبرى بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

والمعروف أن فى البحرين، كما فى دول عربية أخرى، حركات ناشطة وفاعلة لمناهضة التطبيع بكل أشكاله ومستوياته السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية، ويمكن الإشادة فى هذا السياق وباعتزاز بجهود المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني التى كان آخر مواقفها ما تجلى فى البيان الصادر بمناسبة زيارة رئيس كيان العدو المحتل والذى وقعت عليه 22 جمعية سياسية ومؤسسات المجتمع المدني أعلنت رفضها لتلك الزيارة ولكافة اشكال التطبيع، كما يمكن الإشادة وباعتزاز بالوقفات التضامنية مع الشعب الفلسطيني التي شاركت فيها مختلف قوى المجتمع البحرينى، ومنها الوقفة التضامنية التى نظمّها المنبر التقدمى امام مقره فى 3 ديسمبر الماضي عشية تلك الزيارة، وهى وقفات ومواقف أكدّت على ثبات موقف شعب البحرين من القضية الفلسطينية، وهو موقف حاله كحال الشعوب العربية وخلاصته أن النضال هو من اجل قضية وليس من أجل تسوية مع الكيان الغاصب، قضية مصير وكرامة، وأن هذه القضية كانت وستظل قضية العرب المركزية.

 ولعلّ الاستطلاع الذى قام به “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط” ونشرته مؤخراً جريدة  “وول ستريت جورنال” حول التطبيع مع إسرائيل مؤشر على ما يؤكد فشل التطبيع معها، فقد خلص هذا الاستطلاع إلى انخفاض تدنى الدعم الشعبى للتطبيع مع اسرائيل، وأن الشعوب فى وادٍ والحكومات فى وادٍ آخر، وانه بالنسبة للبحرين وعلى ذمة القائمين على الاستطلاع فقد انخفض دعم التطبيع فى البحرين من 45% عام 2020، الى 20% عام 2022، ولا نعرف على اي أساس خلص القائمون إلى تلك النتيجة ، ولكن يمكن القول بكل ثقة إن التطبيع الشعبي مع الكيان المحتل بوجه عام مرفوض، ومن يقبل به أو يروّج له منبوذ.

شكل آخر من أشكال الرفض الشعبي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذه المرة على نطاق عربي، بل عالمى كانت فيه الكاميرا هى الشاهد .. الشاهد المحايد الذى عبّر عن مشاعر الشعوب العربية الرافضة للتطبيع، كما عبرت عن عولمة كراهية للكيان الصهيونى وداعميه، وقد رأينا بعض صور ذلك فى مونديال كأس العالم فى قطر.

 ما من مباراة، أو حدث، أو فعالية تشجيعية فى المونديال إلا وكانت أعلام فلسطين مرفوعة، وأناس عرب وغير عرب يتوشحون بالوشاح الفلسطيني، ووجدنا عددأً من المشجعين يتأكدون من القنوات التى استهدفت استطلاع آرائهم وعبروا عن رفضهم التعامل مع قنوات اسرائيلية جاءت لتغطية فعاليات كأس العالم، ولم يكتفوا بهذا الرفضن بل عبّروا عن إيمانهم بحتمية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولا ننسى موقف ذلك المذيع الإسرائيلي الذى حاول وعلى الهواء مباشرة أن يأخذ تصريحاً من أحد الحضور، الذى عندما علم أن المذيع اسرائيلى قال “لا توجد اسرائيل ولكن توجد فلسطين”، وبلغ الأمر إلى حد اعتراف صحفيين إسرائيليين بأن هذا المونديال هو مونديال كراهية إسرائيل، ومضى أحدهم الى القول “اكتشفنا كم نحن مكروهون بين العرب”.

  يمكن القول إن المونديال الذى حمل رسائل رفض كثيرة وأثبت، وبالبث الحي، إلى أي مدى هى القضية الفلسطينية مغروسة فى عقل ووجدان الجماهير الحرة الأبية، والشعوب الحية وثبات موقفها من هذه القضية، الى درجة ان البعض ذهب فى بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى القول إن ” فلسطين فازت بكأس المونديال 2022 ” رغم عدم مشاركتها فى هذا المونديال وهذا ما ذهبت اليه بعض الصحف العالمية ، ويبدو أن وسائل الإعلام الاسرائيلية تكاد تتفق مع هذا الرأي، إذ أبدت صدمتها من المواقف المناهضة لإسرائيل خلال أحد أهم الأحداث الدولية فى العالم، الأمر الذى دفع أحد قادة الكيان الغاصب، الزخائر ادرعي، إلى القول “المونديال جعلنا نلتقي بكل العرب، توصلنا وبصورة واضحة إلى قناعة بأن التطبيع كاذب مع هذه الشعوب، الفجوة كبيرة بين ما يقوله القادة ومواقف شعوبهم”.

أمر جيد ومطلوب أن يعى كل إسرائيلي، وكل من يريد التطبيع مع الكيان الصهيونى تلك الحقيقة،
ورفض كل أشكال ومستويات التطبيع مع هذا الكيان هو أبسط التزام بخط التضامن مع الشعب الفلسطيني، والحقيقة باختصار تتطلب من العرب أكثر من رفض التطبيع وأبعد، تتطلب العمل على مواجهة محاولات إسرائيل ابتلاع ما تبقى من فلسطين، وتشريد ما تبقى من شعب فلسطين، بهدف الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وطالما بدأنا بالشاعر محمود درويش فلا بأس أن نختتم بالشعر، بما قاله الشاعر المصرى أحمد محرم: “فلسطين صبراً إن للفوز موعد”.