سخط شعبي من برنامج الحكومة

0
32

وعود فضفاضة وغياب آليات ومعايير التنفيذ

المتعارف عليه إن أي برنامج، أياً كان المجال الذي يتناوله، يتعين أن يضع المحاور العامة ثم يدخل في تفاصيل كل محور ويضع الخطط اللازمة للتنفيذ، ويحدد مضمون كل خطة من حيث الأهداف والتكلفة وكيفية التنفيذ ومصدر التمويل ومدة الإنجاز الزمنية ومعيار يقيس مستوى النجاح والذي بموجبه تتم محاسبة المسؤولين عن تنفيذ الخطة عند انتهاء الزمن المحدد، ومن اطلع على برنامج عمل الحكومة في الكويت 2022- 2026 سيجد أنه سار في هذا الاتجاه وتضمن لأول مرة مشاريع محددة التكاليف المالية والمدة الزمنية.

وبتطبيق ذلك على برنامج الحكومة في البحرين نجده من حيث المعنى والمضمون ابعد عن أن يكون برنامجا، فهو عبارة عن أهداف ونوايا ورغبات وتمنيات ووعود عامة وفضفاضة، بحيث يستحيل على مجلس النواب محاسبة الحكومة على مدى تنفيذها وهوما يتعارض مع ما قصده المشرع الدستوري حين أضاف المشرع الدستوري طيقا لتعديلات الدستور 2012 فقرة ثانية للمادة (46) تعطي لمجلس النواب الحق في إقرار أو عدم إقرار البرنامج الذي تقدمه الحكومة الجديدة التي يختارها الملك، ورتب على عدم الإقرار في المرة الأولى بأغلبية أعضاء المجلس على الحكومة إعادة تقديمه إلى المجلس بعد إدخال ما تراه من تعديلات عليه، وإذا رفضه المجلس بأغلبية الثلثين في المرة الثانية ترتب عليه استقالة الحكومة وإذا لم يقر المجلس برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات والمدد السابقة، كان للملك أن يحل المجلس أو يقبل استقالة الوزارة ويعين وزارة جديدة

فاذا كان برنامج الحكومة كما ينص التعديل الدستوري يترتب على عدم إقراره من قبل مجلس النواب إعادته للحكومة أو استقالة الحكومة بل قد يترتب عليه حل المجلس، وأن الموافقة عليه تكون قد حازت على ثقة المجلس، كما جاء المذكرة التفسيرية للتعديلات الدستورية والتي تؤكد واتفاقاً مع ما انتهى إليه حوار التوافق الوطني اتجهت هذه التعديلات الدستورية إلى تعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب بما يؤدي إلى قيام المجلس بهذا الدور منفرداً.

وأكثر من ذلك فإن اللائحة الداخلية حسب المادة (137) وإن أجازت توجيه الأسئلة قبل إقرار برنامج الحكومة فإن هذه الأسئلة لا تُبَلَّغ إلى مَن وُجِّهت إليهم قبل إقرار برنامج عمل الحكومة.

كما لا يدرج أي استجواب في جدول الأعمال قبل عرض الوزارة لبرنامجها حسب نص (145)، لا تدرج طلبات المناقشة العامة قبل أن تقدم الحكومة برنامجها، وينتهي المجلس من مناقشته، ويصدر قراره في شأنه (174). بل أن التعديلات الجديدة التي صدرت مؤخرا طالت حتى الاقتراح برغبة فنصّ التعديل على المادة 127 (لمجلس النواب بعد إقرار برنامج الحكومة إبداء رغبات مكتوبة للحكومة في المسائل العامة).

فاذا كان برنامج الحكومة بالمعني الذي نص عليه الدستور وبالدور الذي يلعبه في تأخير استخدام وسائل الرقابة البرلمانية على النحو الذي ذكرناه فهل يجوز أن تقدم الحكومة هذا البرنامج بالشكل والمضمون الذي جاء به؟

بالطبع لا يجوز ذلك أن البرنامج في الأهداف التي نص عليها والمتعلقة بالعمل والصحة والتعليم والتأمين الاجتماعي والسكن أي بالأوضاع المعيشية للمواطنين شأنها شأن كل الاهداف والاسس والمحاور التي أشتمل عليها، جاءت تحت عناوين عامة و نقص بالغ ليس في عدم تحديد واضح للأهداف فحسب بل في غياب الجدول الزمني للتنفيذ يتمتع بدرجة مقبولة من الدقة وهو الامر الذي سيتعذر معه تقييم نسبة ومستوى انجاز ما اشتمل عليه البرنامج من اهداف تسعى الحكومة إلى تحقيقها خلال السنوات الاربع القادمة بل أن غياب البرنامج الزمني سيؤدى إلى صعوبة في تحديد مسؤوليات التقصير وإجراءات المحاسبة، كما أن البرنامج يفتقر إلى تقييم برنامج عمل الحكومة السابق للسنوات (2019 – 2022) ما تحقق منه ومالم يتحقق.

وبناء عليه وهدياً بما تقدّم نقول:

1-لا يصحّ القول على الإطلاق أو القبول به بما ارتأته الحكومة أن يكون برنامجها “وثيقة سياسية” عامة للدولة تستعرض السياسات العامة للدولة، على أن تتم الإشارة للتفاصيل في الميزانية العامة للدولة، كما لا يصح ايضاً أن نبرر عدم وجود تفاصيل في البرنامج بأن (اللائحة الداخلية لمجلس النواب والدستور لم يحددا شكلا محددا لبرنامج الحكومة.

ذلك أن هذه الرؤية وهذا التبرير فيه اعتداء على قصد المشرع الدستوري حين قرر صراحة في المادة سالف الذكر على أنه برنامج، وقد أوضحنا ما المقصود بالبرنامج فيما تقدم والبرنامج يختلف عن الوثيقة السياسية التي تعني ميثاقٍ تقدّمه السلطة السيادية للدولة إلى فردٍ أو مؤسسةٍ أو مدينة، حيث تمنح حقوقاً، أو صلاحيات، أو امتيازات، أو وظائف معينة، ولو شاء المشرع لنص على أن تقدم الحكومة وثيقتها السياسية لا برنامجها.

2- وإذا كان صحيحا نسبيّا القول (من الصعب على الحكومة إعداد برنامج مفصل خلال شهر واحد) ولكن يبقى صحيحا بالمطلق القول بأنه من المعيب أن تعد الحكومة برنامجا غير مفصل وهي تملك من الإمكانيات الفنية واللوجستية ومن المستشارين وتملك من الوقت اللازم لإعداد مثل هذا البرنامج.

3- وإذا كنا نتفق نسبيا مع التصور الذي يربط برنامج الحكومة مع الميزانية العامة، إذ يصح هذا التصور حين تحدد الميزانية العامة بياناً للدعم الحكومي المباشر، فإن هذا التصور لا يتفق مع العديد من محاور البرنامج. فما علاقة الميزانية العامة بما ينصّ عليه البرنامج على توسيع الحقوق والحريات الدستورية على تطور التشريعات، إذ ليس كل ما ينص عليه البرنامج مربوط بالميزانية العامة ولا يدعونا ذلك للموافقة عليه، طالما جاء دون الأسس التي يجب أن يكون عليها.

 فحين نطلب في البند المتعلق بتوسيع الحقوق والحريات الدستورية على تطور التشريعات مثلا بضرورة أن (تلتزم الدولة بإعادة النظر في التشريعات الناظمة للعملية الانتخابية بما فيها تلك التي صدرت بأداة المرسوم)، فان ذلك لا علاقة له بالميزانية العامة، وكان على البرنامج على الأقل أن ينص على ما توصلّ إليه حوار التوافق الوطني من توافق على (إعادة النظر في الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدالة) الواقع كشف عن عيوب ونواقص في النظام الانتخابي في البحرين كان المنبر التقدمي قد قدم بمرئياته حولها لمؤتمر الحوار الوطني.   

السخط الشعبي واقعي ومشروع

 يسود سخط وغضب من المواطنين على ما احتواه البرنامج من محاور ومرئيات، عبّر عنها المواطنون من خلال المجالس الأهلية ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي وهو سخط وغضب مشروع خاصة فيما محور المتعلق برفع المستوى المعيشي للمواطنين، وفي هذا الصدد اشير إلى ما يلي:

  في ندوة عقدتها الجمعية البحرينية للشافية بتاريخ 4 من هذا الشهر حول البرنامج الحكومي الواقع والطموح تحدث فيها الدكتور ميرزا القصاب في المحور الثالث من البرنامج (التعافي الاقتصادي والاستدامة المالية)، وأشار إلى الهدف الذي جاء تحت المحور وهو (الاستمرار فــي تنفيــذ المشاريع التنموية الكبرى التي تهـدف لنمو الاقتصاد، وتخطيـط المدن الجديدة) هل أحد يعرف ما هي هذه المدن الجديدة؟ لا يحدد البرنامج مكان هذه المدن ولا تكلفتها، لكن الدكتور القصاب أوضح انه سيتم تخصيص هذه المدن  على خمس جزر على ارضى مغمورة في البحر وتشمل فشت الجارم والعظم  وان تكلفتها اكثر من 30 مليار دولار وسيقام عليها مطار ومساكن فاخرة ومنتجعات سياحية، وأشار إلى تأثير ذلك على الأمن الغذائي الذي وضع كمحور من البرنامج على اعتبار أن فشت الجارم والعظم من أهم مصائد الأسماك ومصدر للمخزون السمكي، ونحن نشاطر ما ذهب إليها ولكن السؤال الأهم من ذلك أليست هذه الأراضي المغمور في البحر تعد من الثروات الطبيعية ملك الدولة بنص المادة (11) من الدستور التي تقضي على ان ( الثروات الطبيعية جميعها ومواردها ملك الدولة، تقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني)، وأنها تعد من الأموال العامة لها حرمة ويجب حمايتها طبقا لحكم المادة (9/ب) من الدستور التي تنص على أن (للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن).

أليس لهذه الثروة الطبيعية الاراضي وما يقع عليها من استثمار من ثمن يتعين يكون مدرجا في إيرادات ميزانية الدولة العامة، اين برنامج الحكومة من كل هذا؟ اين هو القانون الذي ينظم عملية الاستثمار حسب نص المادة (نص المادة 117 / أ من الدستور (كل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا يكون إلا بقانون ولزمن محدود، وتكفل الإجراءات التمهيدية تيسير أعمال البحث والكشف وتحقيق العلانية والمنافسة). وهذه قضية جوهرية من القضايا الهامة التي غيبها البرنامج الحكومي.