برنامج الحكومة وتطلّعات الناس

0
18

لعلّها المرة الأولى التي نشهد فيها ونتابع اهتمامًا واسعًا من مختلف شرائحه ومؤسساته لمجريات النقاشات ببرنامج الحكومة، كالذي حظي به برنامج الحكومة 2026-2023 الذي تمّ الانتهاء من مناقشاته مؤخرًا، وجاء تحت  عنوان “من التعافي إلى النمو المستدام”، حيت تابع المجتمع أدقّ التفاصيل خلال الفترة التي امتدّت ثلاثة أسابيع، حفلت بأكثر من عشرة اجتماعات للجنة البرلمانية المكلفة من مجلس النواب، لمناقشة البرنامج مع الحكومة، بحضور غالبية أعضائها، وأيضًا بحضور واهتمام لافت من بقية أعضاء مجلس النواب، علاوة علي اهتمام وحرص من قبل الحكومة التي حضرت ما مجموعه أربعة اجتماعات مع لجنة برنامج الحكومة.  

خلال مرحلة التفاوض والنقاش مع الحكومة تمّ استعراض العديد من الملاحظات والتساؤلات التي قدّمها أكثر من ثلاثين نائبًا ضمن اكثر من 73 سؤالًا، أجابت عليها الحكومة فيما بعد بكثير من التفاصيل، التي سهلت من مهمة اللجنة والحكومة معًا في التوّصل إلي توافقات عرضت لاحقًا أمام المسؤلين والرأي العام خلال مؤتمر صحفي تابعه الشارع البحريني باهتمام، واهتمت المجالس الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني بحيثياته حتى اللحظة. 

لقد تشرفتُ بتكليف رئاسة أعمال لجنة برنامج الحكومة مع ثلة من زملائي أعضاء مجلس النواب، يحدونا الأمل والتفاؤل بأن نلبي شيئًا من طموحات وآمال الشارع البحريني الذي خرج للتو من انتخابات نيابية وبلدية متطلعًا نحو برامج ومبادرات  تحسّن من واقعه المعيشي  والاجتماعي بشكل عام، خاصة بعد دخول بلادنا البحرين والعالم في أتون أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة لازالت تداعياتها تشي بتكريس نظرة ومزاج لا يخلوان من  سلبية واضحة تجاه ما هو متوقع خلال الشهور وربما السنوات القادمة. 

 وسط كل هذه الأجواء المحتقنة معيشيًا باشرت لجنة برنامج الحكومة أعمالها، وحيث أن البرنامج هذه المرة وبفعل الفتوى الأخيرة لهيئة التشريع والرأي القانوني والتي حتمت أن لا يحتوي التقرير على تفاصيل أو ارقام أو ميزانيات، وإنما فقط أولويات ومحاور وأهداف ضمن سياسات عامة يصعب الركون اليها أو الاتكاء عليها لعمل تشخيص جدي لواقع تنموي ومعيشي واقتصادي للسنوات الأربع القادمة، لذلك جاءت الاجتماعات والردود الحكومية على تساؤلات النواب على درجة من الأهمية لخلق فهم افضل لتوجهات الحكومة للمرحلة القادمة، على الرغم مما مثّله عامل الوقت المتاح أمام الطرفين، الحكومة واللجنة، من ضغوطات إضافية ربما استشعرها الجميع. 

حقيقة استطيع القول إن ما تمّ من عمل وتوافقات جادة بين طرفي الحوار ربما عزّز لدى المتحاورين أهمية ما نقوم به معا من عمل مشترك، فقد اجترحت لجنة برنامج الحكومة تعديلات وتغييرات جوهرية قاربت في مجموعها 80٪؜ من مجمل البرنامج الأصلي، كما اضافت أولوية رابعة من اصل ثلاث أولويات واصرّت على ان تكون هي الأولوية الأولى تحت مسمى “رفع المستوى المعيشي للمواطنين بما يحافظ على مكتسباتهم”،  وتحت هذه الأولوية  أدخلت اكثر من 18  مبادرة لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين من تحسين القوة الشرائية ورفع مستوى الأجور والضمان الاجتماعي وعلاوات الغلاء والمتقاعدين وزيادة علاوات ذوي الاعاقة، مع الإصرار بطبيعة الحال على استعادة زيادة المتقاعدين ورفع علاوات بدل السكن  والجامعة  ودعم  وتوسعة الشريحة الأولى لاستهلاك الكهرباء وغيرها الكثير، على أن يتمّ التوافق حول ذلك اثناء مناقشة الميزانية العامة للدولة والتي ينتظر وصولها للسلطة التشريعية نهاية شهر فبراير القادم. 

خلاصة القول، فإن ما تمّ من توافقات وعمل مضن لكنه مهم لابد ان  ينعكس إيجابًا على الجميع خلال الفترة القادمة من مسيرة العمل الاقتصادي والتنموي، خاصة وان الجميع أبدى اهتمامًا بضرورة تدوير عجلة الاقتصاد  الوطني والتنمية وتنويع موارد الدولة وتعزيز التوجه نحو اقتصاد انتاجي يحقق قيمة مضافة عالية، وتلك أمور تحتل أولوية قصوى نجزم أنها تحقق جانبًا مهمًا من حالة الاستقرار المعيشي وتعزز من برامج الحماية للشرائح الأوسع من المجتمع، والتي من خلالها نستطيع ان نطمئن لاحقًا لتعزيز حالة الأمن الاجتماعي والاستقرار المجتمعي المنشود، وتلك قضية لن نبلغها الا بمزيد من التوافق والفهم المشترك الذي هو من صلب عملنا السياسي والاقتصادي والتنموي خلال السنوات الأربع القادمة وصولا لتحقيق أهداف التنمية الشاملة التي تحدثت عنها رؤية البحرين 2030.