صندوق النقد الدولي وآثار سياساته على اقتصاديات الدول النامية

0
79

بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥م تم إنشاء ثلاث منظمات دولية وهي: الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.


والصندوق باختصار عبارة عن جمعيّة تشارك فيها بلدان العالم، ويبلغ تعدادها ١٩٠ دولة، تجمع فيه مجموعة من الأموال بحصص مختلفة لكل بلد، ويقرضها الصندوق للدول المحتاجة له ولكن بشروط:


– تمنع الدول من الاقتراض أكثر من ثلاثة أضعاف حصتها.

-في حال وجود عجز في الميزان التجاري للدول المقترضة يطلب منها كشف الإيرادات والمصروفات، وعلى ضوء تلك المعطيات يفرض الصندوق على الدول المقترضة برنامجًا إصلاحيًّا اقتصاديًّا، من خلال أعضائها الدائمين، والبالغ عددهم أربعة وعشرين عضوًا.


كيف تعاملت الدول مع الصندوق؟

هناك خمس نماذج للتعامل:


أولًا: الدول التي رفضت التعامل مع الصندوق مثل ماليزيا، وهي من الدول المتطورة اقتصاديا؛ بفضل رئيسها الأسبق مهاتير محمد، حيث قام بعمل محاضرات مهمة عن الصندوق، مازالت تدرس في جامعات ماليزيا، والتي يذكر فيها عدم احتياج الدول للاقتراض من الصندوق الدولي، واستطاع – رغم أنه لم يقترض- أن ينمي بلده، ويزيد في الدخل والناتج القومي لماليزيا، كما استطاع أن يزيد من القدرة الشرائية لمواطنيه.


ثانيًا: بعض الدول تم إقراضها، حيث قامت بتوجيه قروضها إلى الصناعة، التي خلقت فرص عمل، ودخلًا فائضًا، وعملة صعبة، مما أدى الى تسديد ديونها للصندوق بسهولة، ومن ثم أخذت هي نفسها تقرض الدول الأخرى مثل كوريا الجنوبية.


ثالثًا: بعض الدول أخدت القروض لتعيش الحد الأدنى من الحياة؛ لينقذها من الانهيار والإفلاس.


رابعًا: الدول التي انهارت اقتصاداتها وزادت فيها البطالة والفقر، وأصبح وضعها سيئًا ولكنها لم تفلس، بسب شروط الصندوق المعجزة والقروض التي أخدتها، والتي أدت إلى تدهورها اقتصاديا وهي اثنتان وثلاثون دولة.

خامسًا: انهيار بعض الدول مثل ملاوي، والأرجنتين نتيجة للقروض والشروط التي فرضت من قبل الصندوق.

من خلال هذي النماذج نرى أن أغلب دول العالم التي حصلت على قروض من الصندوق لم تستفد منها، بل كانت القروض بوابة لمزيد من الانهيار الاقتصادي والتعثر المالي، بل وزيادة معدلات البطالة في تلك الدول.

وألخص أسباب فشل هذه القروض من وجهة نظري في أن الحلول والمعالجات الموحدة لجميع دول العالم النامية تقريبا  طلب منها نفس المعالجات الاقتصادية (رغم التناقض والاختلاف بين واقعها الاقتصادي) ، والتي تنحصر في إزالة التعريفات الجمركية على الواردات ، وفرض سياسات تقشفية حادة، لم تكن موجهه أبدا للمشاكل الحقيقية التي تواجه اقتصاد الدولة الممنوح لها القرض، كما أن بعض توجيهات الصندوق ساهمت في تدمير الموارد والصناعات المحلية للدول المقترضة بقصد أو بدون، كما أن لسياسات النقد التدميرية التي ينتهجها الصندوق تحت مسمى إصلاحات اقتصاديه تساهم في إضعاف قيمة العملة المحلية وتهاوي احتياطات البنوك المركزية، ومطالبة الصندوق الدائمة للدول المقترضة بفتح الاقتصاد، وتحرير الأسواق، ورفع يد الدولة في تجاهل واضح لخصوصية الوضع الاقتصادي الحساس للفئات التي ترزح تحت خط الفقر، وإلى ضعف الصناعة المحلية في تلك الدول ، مما يزيد من معاناة هذه الفئات، ويقود الصناعة المحلية للانهيار العاجل.


بصورة عامة إن سياسات صندوق النقد الدولي في أغلب دول العالم النامية كان لها نتائج كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والغريب أن سياسات الصندوق تترك الدول أكثر فقرا مما كانت عليه، مع ارتفاع الديون، وتعاظم الفوائد، وزيادة في البطالة والتضخم، وهذا ما حدث في كثير من الدول المستدينة.


إن الدول التي تقترض وتفرض ضرائب جديدة على شعبها، فترتفع الأسعار فيها دون الاهتمام بالتنمية الاقتصادية، تؤدي إلى زيادة الانكماش الاقتصادي، وهذا مخالف للأعراف الاقتصادية، وعليه تقوم الدول في حالة الانكماش بكثرة الإنفاق، وتخفيف العبء الضريبي كي تتحرك الأسواق، وعليه تقوم بخلق بدائل وحلول كثيرة؛ لتحريك الاقتصاد غير التقليدي.


– تسعى الدول إلى الارتقاء بمستقبل قطاع التمويل من خلال إطلاق المشاريع والبرامج المبتكرة التي من شأنها تسريع تبني اقتصاد المعرفة والابتكار، لتحقيق النمو المستدام، ومواكبة التغيرات العالمية المتسارعة، والتحديات المستقبلية.


– توظيف الذكاء الاصطناعي، وإسهامه في تطوير المجالات الحيوية في الدولة مثل: التعليم، والاقتصاد، وتطوير الحكومة، وسعادة المجتمع، وخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية، بالإضافة إلى دعم مبادرات القطاع الخاص، وزيادة الإنتاجية، والقطاعات المستهدفة هي: النقل، والصحة، والطاقة المتجددة، والمياه، والتكنولوجيا، والتعليم، والبيئة، والمرور.


– تعزيز الأمن الاقتصادي عبر تبني الاقتصاد الرقمي، وتطوير وتطويع التقنيات المتقدمة، بدءًا من الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، وصولًا إلى حلول “إنترنت” الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد؛ بهدف تعزيز الاستفادة منها في دعم النمو الاقتصادي.


– فتح أسواق جديدة، وصياغة بيئة تشريعية متطورة؛ تخدم التطلعات الاقتصادية، وترتكز على سهولة ممارسة الأعمال، ودعم الشركات العائلية، وحماية وتحفيز الاستثمار.


– تعتبر السياحة عاملًا مهمًّا في التنمية الوطنية بكل أشكالها، وخصوصا الدول التي تمتلك ثروات ومغريات سياحية، إلى جانب عناصر أخرى تعطي ديناميكية للنشاط السياحي، وهي العناصر المشكلة من البنية التحتية والفوقية، بالإضافة إلى التسهيلات الممنوحة.

– استقطاب أفضل العقول، والأفكار، والمواهب، وتوافر أفضل الفرص الاقتصادية، وبيئة الأعمال المستقرة، والبنية التحتية المتقدمة، ويرتكز اقتصاد المستقبل على الصناعات المتقدمة القائمة على العلوم والتكنولوجيا، من خلال الاستثمار بشكل متزايد في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، والعلوم الإدراكية، والتصنيع التراكمي المتعدد الأبعاد؛ مما يسهم في الارتقاء ء بمكانة الدولة لتحقيق الريادة العالمية.



الخلاصة نرى أن هذا العام (2023م) سيكون أصعب من العام الماضي، على الاقتصاد العالمي لكل الحكومات؛ لأن اقتصادات الثلاث الدول الكبرى؛ الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، والصين، تتباطأ جميعًا بالتوازي، لذلك علينا أن نركز على الميزانية، والحرص على تحصيل إيرادات كافية، وترشيد الانفاق، فبحلول نهاية العام الحالي، من المتوقع نزول التضخم، لذلك علينا اتخاذ خطوات تعاكس هذا التوجه.