رغم التعديلات النيابيّة عليه
قضايا جوهريّة أغفلها برنامج الحكومة
أقرّ مجلس النواب في جلسته الاستثنائية التي عقدت في 12 يناير 2023 برنامج عمل الحكومة في نسختها الثالثة كما سبقها برنامجان في عامي 2014 و2018 ولمدة 4 سنوات وفق التعديلات الدستورية الصادرة عام 2012، ضمن توصيات ومرئيات الحوار الوطني لتحقيق هدف “تعزيز رقابة السلطة التشريعية على أداء السلطة التنفيذية وإعطائها دورًا أكبر في تمثيل الإرادة الشعبية من خلال تمكين مجلس النواب من مناقشة برنامج عمل الحكومة وقبوله أو رفضه”
ورغم ما تمّ من توافق بتعديلات مهمة أدخلت على هذا البرنامج وأهمّها:
- إعادة صياغة عنوان أولى الأولويات للبرنامج من “أمن واستقرار وعدالة” الى “عدالة أمن، إستقرار” ليتوافق مع ما تنصّ عليه المادة الرابعة من الدستور.
- رفع المستوى المعيشي للمواطنين وبما يحافظ على مكتسباتهم، والتأكيد على تلبية احتياجاتهم الأساسية بما يوفر لهم حقهم الكامل من الحياة الكريمة، وبما يضمن خلق فرص واعدة لهم، وللشباب منهم خاصة.
- التأكيد في المحور السيادي على تعزيز الوحدة الوطنية وإقتصار مواصلة تعزيز علاقات التعاون مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدول العربية والدول الصديقة وحذف كلمة الحليفة.
- وفي الجانب الحقوقي التأكيد على حماية حقوق النقابيين وتعزيز دور منظمات ومؤسسات المجتمع المدني
- وفي محور الخدمات الصحيّة التأكيد على سهولة وسرعة حصول المواطنين على الخدمة الصحية الأساسية بشكل مجاني
- استمرار جهود مكافحة الفساد المالي والإداري، وتعزيز الوعي والممارسات الأكثر نزاهة وشفافية والمحافظة على المال العام
إلا أنّ هذا البرنامج الذي اتسم كالبرامج التي سبقته بالعموميات وخلا من العديد من المرتكزات لأي برنامج عمل كسابقيه، ورغم التعدلات والاضافات من قبل مجلس النواب إلا أنه بقى دون ما تحتاج له البحرين وما تواجهه من تحديات ومنها:
أولاً: بنية البرنامج
– لم يتم إجراء تقييم ومراجعة للبرامج السابقة ومدى نجاحها، وما إذا تم تحقيق أهدافها أم لا ؟ وما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتها الحكومة في تنفيذها؟ وهل تم موافقة هذا البرنامج مع متطلبات رؤية البحرين 2030 أم لا؟
– لم يتم تضمين البرنامج أية رؤية عن اي من التشريعات التي يحتاج الى تعديلها فبرنامج عمل الحكومة لتنفيذه يحتاج بالاضافة الى الاموال المرصودة في الميزانية إجراءات وتشريعية، كما لم يربط يربط ببرناج زمني لتنفيذ اي من خطواته.
ثانيًا: الدين العام
عدى فقرة “تنفيـــذ السياسات والإجراءات التي تهدف لتحقيق التوازن المالي والاستدامة المالية وحسن إدارة الدين العام بما يحقق الخير للوطن والمواطن.” لم يتم التطرق إلى آلية الحد من تصاعد الدين العام وبوتيرة مخيفة وصل إلى نسب خطيرة بالنسبة الى الناتج القومي الإجمالي وتجاوز ما تمّ اقراره من مجلس النواب بتحديد سقف اعلى للدين العام وهو 15 مليار ليصل الى 17 مليار دينار دون اي مبرر قانوني او حتى إقتصادي أومشاريع احتاج لتنفيذها صرف هذه المبالغ عليها. وغابت الرؤية والحديث عن هذا الدين وكأنما المجلس ساكت إذا لم نقل مبارك لهذا النهج في مواصلة الاقتراض والذي بات يًكلّف خدمته البلد اكثر من 700 مليون دينار ويستهلك من مواردنا الوطنية الشحيحة الكثير على حساب قوت ومعيشة المواطنين.
ثالثًا: التشريعات
كل ما يقال من تطمينات باسترجاع حقوق ومكتسبات المواطنين تحتاج إلى تشريعات كان الأجدى تضمينها في البرنامج بأزمنة وتواريخ محددة يتم فيها إنجازها، وعدم تحميل المجلس ذلك بحكم طول دورة التشريع التي تأخذها، إذا لم نقل صعوبة تمريرها إذا ما إرتأت الحكومة غير ذلك، كما أنّ الاتكاء على الميزانية لن يعالج تلك المسائل فالميزانية مختصة بالأمور المالية الخاصة بالدولة فقط.
رابعًا: مكتسبات المواطنين
وخير مثال على ذلك المتقاعدين فقد وردت ايضاً في برنامج 2018 عبارات مثل:
- تعمل الحكومة على تنفيذ هذه التوجهات، مع الحفاظ على مكتسبات المواطن الحالية، ودون تحميله أي أعباء إضافية مستقبلية.
- مراجعة وتحديث التشريعات في جميع القطاعات بما يتناسب مع املتغيرات املرحلية وبما يحافظ على مكتسبات الوطن والمواطن.
- تعزيز استدامة الصناديق التقاعدية تجاه الأجيال الحالية والقادمة بما يضمن قدرتها على الإيفاء بالحقوق والمزايا التقاعدية المكتسب.
ومع ذلك تقدمت الحكومة بمجموعة من القوانين واقرّها المجلس الوطني بغرفتيه تنال من حقوق المواطنين المكتسبة وحملتهم اعباء إضافية في كل من قوانين التقاعد وزيادة ضريبة القيمة المضافة وهذا ما يبقي الهواجس من عدم جدية الحكومة في معالجة مثل هذه المواضيع وإستمرار تحميل المواطنين تبعات سياساتها الاقتصادية والاجتماعية الغير حصيفة.
خامسًا: الإسكان
فرغم ما أعلن من انجازات كبيرة في توزيع الخدمات الإسكانية إلا أن سنوات انتظار المواطنين لتلبية طلباتهم المتقادمة في ارتفاع وتزايد، بحيث وصلت في معظم مناطق البحرين إلى اكثر من 22 سنة.
سادسًا: ملف البطالة
خلى البرنامج من آلية لحلّ هذا الملف، فبدون برامج مرتبطة بهيكلة الاقتصاد وفرض قوانين حمائية للمواطنين في سوق العمل فإن معالجة مشكلة البطالة مستحيلة.
وأخيراً فإن الديمقراطية وتمكين الشراكة المجتمعية لتحقيق وتعزيز العدالة والأمن المجتمعي والمساواة غير ممكنة بتجاهل مجموعة القوانين المقيدة للحريات والمعيقة لمؤسسات المجتمع الأهلي والمدني والجمعيات السياسية وتكبل مشاركة المواطنين، وتعيق من ممارسة حقوقهم الدستورية لما لها من أولوية يجب ان تتم معالجتها، وأن لا تغيب عن بال السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالبلاد بحاجة إلى جهود ومشاركة جميع المواطنين بتمكينهم من ممارسة حقوقهم على مستوى عالٍ من المسؤولية.