الخامس عشر من فبراير ليس تاريخاً عابراً، بل هو شمعة باقية تضيء سماء الوطن، حيث الأحداث السياسية التي وقعت في البحرين منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بقيادة هيئة الاتحاد الوطني خلقت مداً ثورياً وحماسا جماهيريا منقطع النظير في التصدي والمواجهة ضد الوجود الاستعماري البريطاني في البلاد، ففي غمرة تلك الأحداث تمّ تشكيل جبهة التحرير الوطني البحرانية، ذلك التشكيل لم يكن ضرورة مجتمعية وشعبية وحتمية تاريخية فحسب، بل جاء انعكاسا لما يتطلع اليه شعب البحرين بمختلف فئاته وطبقاته إلى الحرية والحياة الكريمة الخالية من استغلال الإنسان للإنسان، ناهيك عن النضالات الرائعة والتضحيات الجسام من اجل الاستقلال الوطني من براثن الاستعمار البريطاني الغاشم الذي دنس ارض الوطن وجثم على انفاسه منذ العام 1861 حتى عام 1971 الذي حسم فيه نهاية الانتداب والوجود البريطاني في البحرين والخليج العربي بانهاء ما تسمى بمعاهدة السلام الموقعة بين الطرفين، فكان الرابع عشر من اغسطس عام 1971 اعلان استقلال البحرين والذي كان استقلالا مبتورا بسبب وجود القواعد العسكرية البريطانية من جانب وادارة جهاز المخابرات بقيادة هندرسون من جانب آخر.
ومن الادلة على ذلك أنه لم يتم بتلك المناسبة الوطنية الافراج عن كافة المعتقلين والمحكومين سياسياً، بالرغم ان هذا الاستقلال جاء تجسيدا لنضالات شعب البحرين وتضحياته الجسام منذ نشوء جبهة تحرير البحرين عام 1910 بقيادة عبدالوهاب الزياني حتى اعلان الاستقلال، تلك التضحيات تمثلت في المنافي وأقبية السجون واستشهاد العديد من خيرة وشرقاء الوطن.
ان تلك النضالات والتضحيات لم تكن منفصلة عن الدور السياسي للأحزاب التي نشأت في عهد الاستعمار البريطاني, بل كانت مرتبطة نماما بالدور القيادي لتلك الأحزاب، ومن بينها جبهة التحرير الوطني التي تأسست في الخامس عشر من فبراير عام 1955 على يد مجموعة من خيرة ابناء الشعب البحريني من الطبقة العاملة البحرينية والمثقفين المستنيرين المؤمنين بالفكر الماركسي اللينيني والمسترشدين في تحركاتهم الثورية بالنظرية العلمية ذات النهج الماركسي اللينيني.
فقد بدأت الجبهة تعمل وتنشط سراً في ظروف قاسية واستطاعت أن تتغلغل في صفوف الشعب خاصة الطبقة العاملة التي كانت تمثلها، فكوّنت خلاياها الحزبية ولجانها المتخصصة “العمالية والطلابية والشبيبة والنسائية”، فكانت الأحزاب الشيوعبة الشقيقة وعلى رأسها الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية انذاك سندا كبيرا للجبهة في تدريب كوادرها الحزبية وتطوير لجانها المختلفة.
الجدير بالذكر أن الجبهة كانت دوما في مقدمة نضالات الشعب البحريني والتحركات الجماهيرية برؤاها الواضحة المعالم؛ تلك الرؤى نمثلت في برنامجها السياسي الصادر عام 1962، الذي تضمّن تحليلاً دقيقا للواقع السياسي وصياغة شاملة لمتطلبات وطموحات الشعب البحريني في تحركاته ضد الهيمنة الاستعمارية البريطانية بما في ذلك اقامة التحالفات الوطنية مع مختلف الاحزاب السياسية آنذاك .
إن نضالات الجبهة لن تتوقف حتى في ظل المتغيرات الدولية والمحلية بالرغم من العديد من الضربات القاسية التي تلقتها والتي كان آخرها الهجمة الشرسة في عام 1986 التي تركت أثراً ملموسا في شل وتجميد النشاط السياسي والجماهيري للجبهة بصورة مؤقتة.
وها هو فبراير من هذا العام يشهد ظروفاً مغايرة تماما لمنتصف القرن الماضي الذي شهد مدّاً ثورياً على المستوى العالمي وحرباً باردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي وسيطرة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الوضع أدى إلى التراجع في نشاط الأحزاب الشيوعية العالمية والحركات السياسية التقدمية، الا ان جبهة التحرير الوطني ظلت متمسكة بمبادئها وقوة ايمانها بنهجها المستند على التظرية الماركسية اللينينية، جتى جاء عهد الانفتاح السياسي والسماح بالعمل السياسي العلني للجمعيات السياسية وتشكيل النقابات العمالية وبدء الحياة البرلمانية منذ بداية القرن الحالي.
ان التاريخ السياسي لنضال الشعب البحريني يؤكد أن الخامس عشر من فبراير مناسبة عزيزة لا يمكن نسيانها، بل من الفخر أن يحتفى بها لما لها من مكانة تاريخية لنضالات وتضحيات خيرة أبناء هذا الوطن، بالرغم من انشغالات العالم بالأوضاع العالمية التي لها اثرها بشكل مباشر وغير مباشر على أوضاعنا المحلية، وأبرزها الأوضاع المتمثلة في الحرب على النازية ومواقف الدول والأحزاب من تلك الحرب الدائرة على الاراضي الاوكرانية.
ان نضالات شعب البحرين من أجل تحقيق تطلعاته وطموحاته في العيش الكريم، لا يمكن أن تتوقف على المتغيرات، بل يسعى دوما للعمل على تطوير العملية الديمقراطية التي أقرّها ميثاق العمل الوطني والدستور عبر جمعياته السياسية المعلنة رسميا بما فيها المنبر التقدمي الذي يعدّ، الامتداد التنظيمي والفكري لنشاط الجبهة، حيث تشكّل من أعضاء الجبهة وأنصارها والمؤيدين للفكر الماركسي اللينيني الذي اثبت مدى صحته وقدرته على التحليل والتمحبص للأوضاع العالمية على المستوى السياسي والاقتصادي حتى يومنا هذا .
إن المنبر التقدمي منذ تاسيسه حتى اليوم لازال يسترشد بالتراث الاشتراكي والتقدمي ومتمسكا بالنهج الديمقراطي في اتخاذ القرارات والتوجهات من منطلق احترام الراي والرأي الآخر في اطار الوحدة الوطنية والتنظيمية، فهو يسعى دائماً من أجل ترسيخ الحياة الديمقراطية وتطويرها بما يخدم الوطن والمواطن عبر البرلمان وخارجه، وهذا واضح من خلال تحركات ومساعي وجهود أعضاء كتلة تقدّم داخل البرلمان وخارجه.
شكرا أستاذي الكريم أبو علي على هذا الموضوع الرائع بمحتواه التاريخي السياسي وما رافق هذا السرد من حقائق وشواهد على نضالات شعبنا بقيادة جبهة التحرير الوطني البحرانية التي قدمت قرابين التضحية لوطننا الغالي البحرين. جبهة التحرير الوطني البحرانية مجسدة في المنبر الديمقراطي التقدمي ظلت وستبقى منار إشعاع وعلامة بارزة في نشر الوعي المنهجي مسترشدا بالنظرية الماركسية اللينية التي سيكون لها يوما الكلمة الفصل في تخليص شعوبنا العربية من براثن الجهل والتخلف.
أجدد لشخصكم الكريم خالص شكري وتقديري واحترامي متمنيا لكم دوام الصحة والعافية والسعادة وطول العمر.
Comments are closed.