قدّم (مختبر الفلسفة والفكر النقدي) بالتعاون مع (المنبر التقدمي) محاضرتين تحت عنوان (محاضرات في علم العمران) يوميّ 6 فبراير و20 فبراير 2023، ألقاهما هشام عقي. ,المحاضرتان هما تقديميتان للمفاهيم الجديدة التي طرحها المحاضر مؤخراً، وغرض هذه المحاضرات هو التعريف بتلك المفاهيم على نحو تبسيطي وتقديمي.
في المحاضرة الأولى، المعنّونة بـ (ما هو العمران؟)، قدّم عقيل موجز تاريخ علم العمران، الذي يبدأ، حسب رأيه، بابن خلدون، ومن ثم يحقّقاه ماركس وإنغلز، ويختتم مع النظرية الكولونيالية. حسب المحاضر فإن ابن خلدون قدّم نواة النظرية العمرانية، حيث يكون مفهومه فورياً، يجمع فورياً بين مفهوم الاقتران ومفهوم العمران. كما أن مفهوم العمران عند ابن خلدون يتسم بكونه فيزيقياً. أما عند ماركس وإنغلز فإنهما، حسب عقيل، يقدّمان مفهوماً علائقياً للعمران، يتسم بالخارجية بين مفهوم العمران والاقتران.
أما مع النظرية الكولونيالية، التي يدشنها كتاب (رأس المال الكولونيالي)، فإن مفهوم العمران يصل إلى لحظته الأخيرة، حيث نصل إلى علاقة تحديدية بين الاقتران والعمران، إذ: “كل اقتران هو عمران، وكل عمران هو اقتران”. هذه اللحظة الأخيرة، تشكّل، حسب المحاضر، خاتم القطائع في العلم العمراني، وتؤدي إلى القطيعة المعرفية الكونية. كما أنه أكد، عبر هذه التعريفات، أن مصطلحات مثل الخلدونية والماركسية لا يمكن لها أن تبقى، ولا يمكن لها أن تعد علمية، إذ إنها لا تحدد موضوع العلم بوضوح، وبالتالي إذا اعتبرنا الماركسية علماً جاهزاً، أي قد اكتملت قطيعته المعرفية، فإن ذلك وهم، وينبغي تحديد ملامح هذا المذهب كعلم عمراني.
في المحاضرة، قدّم عقيل تعريفاً لمفهوم العمران وهو بنية المقدرة الإنتاجية. ولهذا التعريف أربعة معانٍ:(1) العمران بوصفه القدرة على الاقتران. (2) بوصفه نمط الاقتران. (3) بوصفه شرطاً للاقتران. (4) بوصفه شكل الاقتران. لكل تعريف قدّم المحاضر وصفاً عاماً، ببعض الأمثلة التاريخية، مثل الإسكندر الأكبر، والحرب البونيقية، والإمبراطورية الرومانية.
في المحاضرة الثانية، المعنّونة بـ (ما التآلفية؟)، استكمل عقيل ما طرحه في المحاضرة السابقة. مركزاً بالتحديد على أربعة أسئلة لم تجب عليها المادية التاريخية القديمة بشأن الاشتراكية، في حين علم العمران وحده يمكنه الإجابة عنها: (1) ما هو موضوع هذا النمط؟ (2) ما هي نزعته العامة؟ (3) ما هي عناصره؟ (4) ما هو شكل اقترانه؟ وبيّن عقيل أنه لما كان لكل اقتران شكل، فإن شكل نمط الإنتاج الشيوعي لا بد أن يكون تآلفياً.
وفي تعريفه للتآلفية، قال عقيل إنه لا ينبغي علينا الخلط بين المفهوم العاطفي، والأخلاقي، للتآلفية وبين مفهومها العلمي، الذي يتضمن الالتحام، والاتحاد، في سياق امتلاك المؤتلَف للوسائل الإنتاجية. هكذا، يحدد أن عناصر هذا النمط تكمن في المؤتلف نفسه والوسائل الإنتاجية، وعرّف المؤتلف كالاجتماع البشري الذي يتسم بالعلاقات التآلفية، وهي علاقات وحدة محايثة، وقوة، وانضباط. كما أن العلاقات التآلفية تخلو من كل علاقات تخالفية، تلك العلاقات التي عرّفها بأنها تتضمن التعمير لصالح وحدة عمرانية محددة من دون الأخرى، والتي تمهد لكل الأشكال الطبقية.
من هنا بيّن عقيل أن مفهوم الشعب دائماً كان نتاج التفارق بين السادة والعموم، وبالتالي دائماً اختزن العلاقات التخالفية. ولهذا السبب تحديداً، كما ذهب عقيل، ينبغي تحويل مفهوم الشعب لمؤتلف ليتحقق الشرط الأساسي للاشتراكية التآلفية. حالما نكون أمام المؤتلَف بدلاً من الشعب، سنجد أن موضوع الإنتاج التآلفي هو الألفة، وبتعبير المحاضر: “هذا المقسوم الاجتماعي غرضه تحقيق الارتقاء الاجتماعي، والفسيولوجي، والبايولوجي للإنسان”، ويأتي ذلك بخلاف موضوع المجتمع الرأسمالي، وهو الربح. هذا الفهم الجديد الذي تقدّمه التآلفية لمفهوم الاشتراكية، يؤدي إلى فهم جديد للنزعة العامة لهذا المجتمع المؤمل. لما كان لكل نمط إننتاجي في التاريخ نزعة، فإن نزعة المجتمع التآلفي هي تضخم الألفة في مقابل تطوّر الإنسان نفسه، مما يمكنه أن يؤدي إلى الانحطاط والخراب، وصعود عمراني آخر، كما هو الحال مع سائر المجتمعات البشرية. أخيراً، أكد عقيل أن الاشتراكية من دون التآلفية غير ممكنة ورجعية، وفي أفضل الأحوال طوباوية، وبالتالي حسب رأيه: “لا اشتراكية إلا التآلفية”.