Saturday, November 23, 2024

منتدى التقدمي السنوي

عشيّة الثّامن من مارس يوم المرأة العالمي

منتدى التقدمي السنوي يناقش

قضايا المرأة والحركة النسائية في مجتمعات الخليج العربي

عقد المنبر التقدمي، وسط حضور كبير من ناشطين ومهتمين بالشأن العام وشخصيات وطنية وثقافية، وبمشاركة ضيوف من دولة الكويت وسلطنة عمان ودولة الإمارات منتداه الفكري السنوي التاسع، في السابع عشر من فبراير/ شباط الماضي.

وناقش المنتدى في هذه الدورة “قضايا المرأة والحركة النسائية في مجتمعات الخليج العربي”، حيث قدّمت فيه أربع أوراق مهمة لكل من الباحثات: فوزية مطر من البحرين، د. شوق المطيري من الكويت، أمل السعيدي من عُمان، صالحة عبيد حسن من الإمارات، حول قضايا المرأة في بلدانهن وفي المنطقة عامة.

الأمين العام: أهمية تغيير الصورة النمطية للمرأة 

افتتح المنتدى الذي أقيم في قاعة جلجامش بفندق “جولدن توليب” بكلمة الامين العام للتقدمي الرفيق عادل المتروك، الذي أشار إلى حرص “التقدمي” على ألا تتوقف دورات المنتدى حتى في ظروف جائحة كورونا، “مع أننا اضطررنا لتحريك موعده قليلاً في العامين الماضيين، التزاماً بشروط الإغلاق التي اقتضتها ظروف الجائحة، وها نحن نعود، في هذه السنة، إلى موعده المعتمد في منتصف فبراير من كل عام تزامناً مع الذكرى السنوية لتأسيس جهة التحرير الوطني حيث مرّ  قبل يومين ثمانية وستون عاماً على تأسيسها في العام 1955، كتيار وطني وتقدمي رائد في وطننا العزيز”.

 وأكّد الأمين العام إيمان التقدمي بأن “تصعيد نضال المرأة في سبيل القضاء على التمييز ونيل حقوقها المادية والمعنوية، يقتضي العمل على تغيير الصورة النمطية عن المرأة، في الثقافة والوعي واسلوب المقاربة لإيجاد الحلول”، “ما يتطلب رؤية منهجية ومنظومة قانونية، تسعى ليس فقط للحلول الشكلية مثل فرض المساواة بصورتها السطحية بوضع المشرع لمنظومة قوانين ونصوص تتحدث عن الحقوق المتساوية بين الجنسين، سعياً لتحسين الصورة الإعلامية والتصنيفات في المراكز الدولية، إنما هي عملية تنموية شاملة لكل مناحي الحياة المدنية والسياسية والاجتماعية بكافة صورها العمرانية والثقافية، وتوفير كافة الضمانات ما امكن لديمومة تنميتها وتطورها المستمرين وبالأخص في مجالات التعليم والصحة وغيرها، فالحلول الترقيعية والجزئية غير كافية لأحداث تغيير جذري مستدام في النظرة العامة النمطية عن المرأة.

فوزية مطر: التحديات الماثلة أمام المرأة البحرينية

الباحثة البحرينية فوزية مطر تناولت في ورقتها القضايا والتحديات الماثلة أمام المرأة البحرينية في الألفية الثالثة، مشيرة إلى أنه برغم ما حققته المرأة البحرينية من نهوض وتقدم في المرحلة الراهنة وما قبلها، فهي لم تزل تواجه عدة تحديات ومعوقات تسعى الحركة النسائية لتجاوزها، ونستعرض فيما يلي أهم التحديات وسبل التغلب عليها.

على مدى النصف الثاني من القرن العشرين، ثم وخلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، قطعت أعداد متزايدة من فئات المرأة البحرينية أشواطاً بعيدة في مجالات التعليم والوعي والعمل والمشاركة في البناء المجتمعي، سواءً بدعم رسمي أو بجهد أهلي ملموس. رغم ذلك نقول إنه وحتى اليوم لم تبلغ فئات غير قليلة مجتمعياً، أسرياً ونسائياً ما يكفي من وعي بكيان المرأة الانساني وبحقوقها المشروعة. وهو -بتقديرنا- التحدي الأكبر. 

لم يزل الطابع الذكوري للمجتمع يهيمن على الوعي الأسري العام وعلى العلاقات الأسرية، لم تزل أساليب التربية في العموم تكرس أنماطاً من المكانة الدونية للمرأة. لم تزل الغلبة للعقلية النمطية واستمرار الثقافة التي تجيز تهميش وتعنيف المرأة. ولا تزال فئات من النساء مهما بلغت من مستوى تعليمي وموقع عمل أو تبوأت منصباً متقدماً ينقصها الوعي بحقوقها. كما لا تزال عديد النساء الواعيات بحقوقهن الإنسانية غير قادرات على ممارسة تلك الحقوق وعلى العيش متمتعات بها.  

بل يحق القول هنا إن اتساع تعليم المرأة ونمو وعيها وتنامي أعداد المرأة العاملة وبالتالي اتساع مساهمة دخلها في القيام بشئون الأسرة البحرينية في الوقت الحاضر، قد وضع تلقائيا وتدريجياً على كاهل المرأة تدبير كافة متطلبات الحياة الأسرية، بحيث وصل الأمر إلى تحول أدوار عائلية كان يقوم بها الرجل لتقع على كاهل المرأة كالاضطلاع بتربية الأبناء والمتابعة الكاملة لتعليمهم وكافة شئونهم الدراسية، وفوق ذلك تحمل مجمل شئون الحياة المنزلية بما فيها التبضع وصيانة وتسديد فواتير وإنجاز معاملات مطلوبة مع الجهات الرسمية والخاصة، وغيرها. في العموم تحرر الرجل من تلك المهام وغدا بعيداً عن تربية الأبناء وشئون الحياة الأسرية إلا فيما ندر.

وبعد أن انطلقت المرأة البحرينية ومنذ الستينيات الفائتة تطرق أبواب عمل جديدة بجانب التعليم والتمريض فالتحقت بالعمل في البنوك والشركات ومجالات المحاماة والهندسة والصحافة وغيرها، نجد اليوم ونحن في مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين من الرجال من يرفض الزواج بامرأة تعمل في مجال مختلط ويبحث عن الزوجة التي تعمل في مجال غير مختلط. وهناك حالات منع فيها الزوج زوجته التي كانت تعمل في مجال مختلط من العمل وأجلسها في البيت.

من جانب آخر نجد الرجل المثقف ذي الوعي بالحقوق الإنسانية المساوية بين البشر يستسهل في الغالب حياة أسرية قوامها عدم المساواة بين الجنسين وإلقاء العبء الأكبر في المسئوليات الأسرية إن لم نقل العبء كاملاً على كاهل المرأة، ويحمل البعض عقلية وضع المرأة في موقع ثان أو تابع للرجل.

ومنذ أوائل الثمانينيات الفائتة يشهد مجتمعنا وكافة المجتمعات العربية عودة سطوة الموروث الثقافي التقليدي فيما سمي بالصحوة الدينية. في ظل ذلك أحاطت فئات من النساء نفسها بسياج من الممنوعات فكراً وعيشاً وممارسة حياة، وسحبت ذلك السياج ليحيط بأبنائها وسبل تربيتهم. وفي حين تتلاحق الإنجازات العلمية وتُقترح أنماط جديدة في الوعي والحياة عبر كافة تقنيات التواصل يقع الأبناء رهن التناقض والضياع بين ما يطرحه العصر المتقدم من آفاق واسعة في الوعي والاختيار وبين هيمنة سياج الممنوعات مما قد يسبب للأبناء أمراضاً نفسية متعددة تهدد حياتهم.

يسيء قطاع واسع من النساء من كل الفئات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية بالاقتصار في توظيفها على ملاحقة آخر تقليعات الموضة والمكياج ومتابعة المشاهير، أو تتبع أخبار الناس والقيل والقال والنميمة، أو في الدردشات الفارغة بحيث انتقلت جلسات الضحى النسائية القديمة إلى الفضاء الالكتروني، وذلك على حساب توظيفها في الاغتناء المعلوماتي والثقافي والعلمي.

ورغم ما حققته فئات المرأة البحرينية على صعيد العلم والعمل فالكثيرات من ذوات التعليم العالي والعمل في مناصب مرموقة يقصين أنفسهن عما يمور في المجتمع من قضايا الشأن العام والتنمية المجتمعية والحقوق الإنسانية وكأن الأمور تعني الرجل فقط ولا تعنيهن. 

أمام واقع كهذا تبرز أهمية تكثيف منظمات العمل النسائي الأهلي جهودها في برامج التوعية المجتمعية والأسرية والنسائية والعودة لوضعها ضمن أولوياتها – كما كان في السبعينيات والثمانينيات الفائتة – وتوظيف كل المتاح من وسائل لتحقيق ذلك. 

أمل السعيدي: توثيق الحركة النسائية المعاصرة في سلطنة عُمان

انشغال الكتابات التاريخية على تتبع سير الحكّام والنخب الحاكمة، انطلاقاً من مركز السلطة، ليس شأناً خليجياً فقط، بل أقرب إلى ما يكون إلى قاعدة قديمة في الكتابة التاريخية، كل الكتابات التاريخية في مختلف أرجاء العالم كانت تلخص تاريخ الشعوب في تاريخ السلالات الحاكمة، وأحياناً التاريخ الديني للكنيسة ورجالها، وما دون ذلك من مواضيع كانت بقايا غير مجدية.

والمشكلة الأساسية في هذا النمط من الدراسات هي أنه لا يُحقق كتابة تاريخ كلي، أو يسمح بظهور صورة حقيقية عن شكل الحياة الاجتماعية في الفترة موضع الدراسة، فالمقاربة الأدق لدراسة الظواهر الاجتماعية تكون البحث عن جذورها في “الهامش” لا المركز، حيث تتشكل التقاليد والعادات للجماعة وتشكّل هويتهم. 

نبحث مثلاً في أحد محركات البحث الأكاديمية بكلمات مفتاحية من قبيل (المرأة، عُمان) نجد أن عناوين الدراسات: “مأسسة النوع الاجتماعي في عُمان”، “دور وسائل الإعلام العُمانية في تشكيل اتجاهات الجمهور نحو قضايا المرأة”، “النهوض بالمرأة في سلطنة عُمان”، “تجربة عُمان في محو أمية المرأة”. 

ومشكلة هذه الدراسات أنها جميعاً لا تنطلق من المرأة، بل في كثير من الأوقات لا تلتفت إليها، قدر اهتمامها بما تمنحه الدولة أو الحكومة للمرأة، كيف تُعلمها، وتحقق العدالة على أساس النوع الاجتماعي، فلم أجد ورقة واحدة عن أي حراك نسوي في عُمان، أو ورقة تبحث في أوضاع المرأة بعيداً عن ذلك.

أصبحت النسوية في سلطنة عُمان في السنوات الأخيرة موضوعاً جدلياً كبيراً، ولقد بدأ هذا المشروع لا من النخب، بل من الهامش. اذ قامت مجموعة من الفتيات عبر حسابات التواصل الاجتماعي، تحديداً “تويتر”، بإثارة موضوع “النسوية” وقضاياها المختلفة، الأمر الذي دفع النخب في وقت لاحق لتبني الموضوع إيجاباً أو سلباً. 

وتركز العديد من الدراسات في العلوم الإنسانية على شبكات التواصل الاجتماعي ودورها في إشراك الناس في العملية الديمقراطية. اذ تمثل مواقع هذه الشبكات منصات تعتمد عليها الحركات المدنية والسياسية. وتهدف في المقام الأول إلى تعزيز دور النقاش السياسي وتحفيز المواطنين.

تعدّ وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الصدد ظاهرة اضفاء الطابع الديمقراطي على المحتوى وستكون هذه الوسائل هي طريق النجاح في مجال الأعمال التجارية أو الحوكمة أو الأحزاب السياسية أو السياسيين، وذلك ليس ضمن نشر المعلومات فحسب، وإنما تسهيل عملية المشاركة والتشجيع عليها. 

وعُمان ليست استثناء فمع الاستخدام الشائع لوسائل التواصل الاجتماعي ظهرت نسخ جديدة من التصورات والرؤى الاجتماعية غالباً ما كانت مختلفة عن الواقع الذي يُعرف به التسلسل الهرمي للسلطة داخل المجتمع العُماني عبر تويتر وفيسبوك وانستغرام، – وقد أدى هذا إلى توليد حالة النقاش التي عادة ما تثيرها وسائل التواصل الاجتماعي كما سبق وأشرت أعلاه – تمظهر ذلك في ولادة صراعات رقمية عبر الانترنت بين معسكرين افتراضيين الأول: المحافظون والثاني المدافعون عن حقوق المرأة. تناقش هذه الحسابات سلطة الرجل وهيمنته كما تشكك في التفسير الأبوي لمصادر الدين الإسلامي التي تطورت لأحكام تمييز بين الجنسين. 

وبتتبع ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وما توفر من معطيات يمكن أن نلاحظ الآتي:

*هنالك وعي لدى القائمات على حساب نسويات عُمانيات بأن مشكلة حقوق المرأة في عُمان سياسية ويتضح ذلك من استمرار المطالبة بالنظر في أحوال قوانين المرأة ووجودها داخل مؤسسات الدولة المختلفة. 

*تعدّ قضية العنف ضد المرأة أساسية في خطاب النسويات العُمانيات، فهي قضية تحظى بتوجيه كبير في التغريدات. والجدير بالذكر أن مطالبات عديدة أنشئت في وقت لاحق للمطالبة بخط ساخن للمعنّفات، تمخض عنه حملة إعلامية مستقلة بعنوان “لا تسكتي” تألفت من مجموعة من النساء العُمانيات والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وصل عدد متابعي الحساب في انستغرام لما يزيد عن 7000 متابع وقد أعلن الحساب عن لقاءات مرتبة بين عضوات الحملة ووزارة التنمية الاجتماعية المعنية حول الأمر. 

*هنالك إدراك للنسوية التقاطعية التي تنطلق من مواقع مختلفة داخل المجتمع، فهنالك حضور للعاملات المنزليات ومعاناتهن الشخصية والمؤسسية في السلطنة. 

شوق المطيري: أبرز قضايا المرأة الكويتية

 على الرغم من أن الطابع الأبرز الذي يطغى على مطالبات المرأة الكويتية على مدى السنوات السابقة كان سياسيًا ويركز في المرتبة الأولى على حق المرأة السياسي في التصويت والترشح، إلا أن قضايا المرأة الكويتية وهمومها كثيرة وتتعلق بجميع جوانب الحياة، الاجتماعية منها والاقتصادية وحتى القانونية، يمكننا القول أن المرأة في الكويت هي ضحية للمجتمع والدولة والقانون، ففي حين تعتقد المرأة أنها على قدر متساوٍ من المواطنة مع الرجل بناء على الدستور الذي أوضح ذلك في العديد من مواده ولعل أبرزها المادة 29 التي تنص بشكل صريح وواضح على أن “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين” إلا أنها تجد نفسها مواطنة من درجة أدنى في العديد من القوانين والمعاملات اليومية.

 على سبيل المثال: المادة الثانية من قانون الجنسية التي تحرم المواطنة من تمرير جنسيتها لأبنائها إسوة بالمواطن الرجل، حيث لا يحصل أبناء الكويتية على جنسية والدتهم، ولا على ارثها في حالة امتلاكها عقارًا عند وفاتها، ويكون بقاؤهم في البلد مرتبطًا بتجديد إقامتهم، ولعل ذلك أبرز ما يؤرق المواطنة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وهذا ما يجعل المرأة الكويتية مقيدة بخياراتها فيما يتعلق باختيار شريك الحياة، وعليها التنازل عن بعض الحقوق على عكس الرجل الكويتي الذي باستطاعته تمرير جنسيته لأبنائه وزوجته في حال زواجه من غير كويتية.

 من ناحية أخرى وعلى فرض تساوي المرأة والرجل أمام القانون بشكل مجرد، نجد أن المرأة الكويتية لا أهلية لها في بعض المواد في قوانين مثل قانون الجزاء، وقانون الأحوال الشخصية، إذ أن قانون الجزاء الكويتي في مادته 182 يسقط عقوبة خاطف المرأة في حال زواجه منها زواجًا شرعيًا بشرط موافقة وليها متجاهلاً وضع المرأة النفسي ورغبتها الشخصية نازعًا عنها أهليتها وحقها في الموافقة على هذا الارتباط من عدمه، أما في المادة 153 من قانون الجزاء التي تعاقب الرجل مدة لا تتجاوز السنتين في حال قتله لزوجته أو ابنته أو أمه أو أخته إذا ما فاجئها في حال تلبسها بالزنا، المادة التي تنافي الدين والمنطق ولا تتماشى مع الزمان والمكان إذ أنها مستندة على فكرة متخلفة في الأساس تعطي اعتبارًا غير مبرر لمشاعر الرجل وغضبه على حساب أمن وحياة المرأة.

أما عندما يكون الحديث عن قانون الأحوال الشخصية تجد المرأة نفسها في حيرة من أمرها فهل هي مواطنة كاملة الأهلية القانونية في نظر الدولة ومؤسساتها أم أنها تابع لرجل ولي عليها؟  فعلى سبيل المثال المرأة التي وصلت للوزارة والقضاء في الكويت لا تستطيع تزويج نفسها من غير موافقة وليها ولا تحصل على الوصاية على أبنائها في حال وفاة زوجها.

 ليست القوانين والتشريعات فقط من يظلم المرأة في بعض الأحيان، إنما النظرة المجتمعية الدونية للمرأة، التي تعطي الحق للرجل في الهيمنة والوصاية عليها والأعراف السائدة ذات الطابع الذكوري التي هي أشبه بقوانين غير مكتوبة لها ذات القوة والأثر في ظلم المرأة والتضييق عليها في شتى مجالات الحياة، وتعاني كل امرأة منها باختلاف طبقتها وانتمائها الاجتماعي، هذه الأعراف هي التي تمنع المرأة من التمتع بولاية صحية كاملة على جسدها وهي من تمنع المرأة المطلقة أو الأرملة من إيجاد سكن مناسب، إذ أن المجتمع لا يعتبرها هي وأبناءها أسرة بدون رجل، وهي التي تسلب حق المرأة في حال تقدمها ببلاغ ضد عنف مما يجعل المطالبة بحقوق سياسية وقانونية ترفًا مقابل أمننا والحفاظ على حياتنا كنساء.

ومع أن الكويت طرف في العديد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان إلا أن في الكويت ما يقارب 200 ألف شخص من الكويتيين البدون يعيشون على هامش الحياة دون أدنى حقوق وبالأخص النساء منهن اللاتي يعانين من ظلم مضاعف كونهن نساء وبدون، ويتجلى التمييز بينهن في الرواتب وإجازات الوضع والأمومة مقارنة بالمواطنة الكويتية وهذا ما ينطبق على المرأة العاملة الوافدة في الكويت. 

صالحة عبيد: الأدب والحركة النسائية في الخليج

شدني هنا أن حقبة الثمانينيات الميلادية في العالم شكلت ما بعد ارتدادات الموجة النسوية الثانية التي راوحت بين ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ولعل أبرز ما كانت تلك الموجة النسوية تركز عليه في آنها هو فكرة انعتاق المرأة من الجسد الجمعي الاجتماعي المرسوم لها والمقولبة فيه إلى حرية الجسد الذاتي الخاص، التي يتوجب عليها وحدها أن تعبر عنه كما ترى وتختار مصيرها من خلاله كما ترغب، وهنا قد نلاحظ بذرة التداخل بين الإبداع النسائي بشكل عام والقضايا النسوية بشكل أكثر خصوصية، فالإبداع بالنسبة للمرأة على اختلاف أشكاله من (رسم وتصوير وأدب) شكل شارعاً موازياً تعبر فيه باعتبارها امرأة عن صرختها الخاصة، بجرأة أكبر، ولعل التجارب الخليجية الأولى في مرصد السرد الخليجي عبرت عن ذلك بشكل ما وإن بدأ موارباً في محاولة لتجنب الصدام المجتمعي كما هي في تجارب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مع تجارب من مثل “سميرة خاشقجي” و “دلال خليفة” و “فاطمة يوسف العلي” اللواتي يتقاطعن مع عفيفة كرم في اختيارهن للقضايا الكبرى كموضوع سردي لتبطين الهم النسوي الخاص، لتأتي الثمانينيات المتفجرة، التي داخلت بين النسائي والنسوي بشكل أكثر تعقيداً، وليصبح الجسد النسوي بكل ما يعتمل فيه من أفكار وتعقيدات، مساحة للتعبير المتفجر عن القضايا النسوية الملحة.

إذاً فالمرأة الخليجية بدءاً من الثمانينات وما بعدها تتلمس صوتها الخاص وقضيتها الأولى بقوة الخارج من قوالب القضايا إلى ثورة الجسد والصوت الخاص، غير مبالية بالتصنيفات، نسوي، نسائي، لكن يبقى السؤال المشرع من تلك الفترة حتى يومنا هذا: هل لامس ذلك القالب التعبيري المتمثل في الرواية كصرخة للقضية، المرأة الخليجية في المجتمع اليومي، العام؟ وهل استطاعت من خلال ما تكتب أن تخلق فضاءات لحرية الفكرة والجسد؟

 في حقيقة الأمر تبقى الإجابة عن هذا السؤال شائكة لأننا دائما سنلاحظ مقاومة اجتماعية لحضور المرأة الجديد في الفضاء العام.. أليس كذلك؟ 

إذ أنني أرى أن الاستقلالية للمرأة العربية، الخليجية على وجه الخصوص، وحضورها في الفضاء العام لا زالت غير منفصلة عن أدوارها التاريخية، وكيف أن الحديث عن استقلالية هذه المرأة وحرية تحركها، لا زال يرزح بشكل أو بآخر تحت ثقل الجسد لا باعتباره مساحة للتعبير عن التحرر بل باعتباره قيد للعودة دائما إلى الدور التاريخي التقليدي للمرأة ما أن بدأت المجتمعات الزراعية. 

في الإمارات شكّلت الثمانينيات الميلادية سنوات الطفرة الاجتماعية الكبرى التي تداخلت مع الطفرة النفطية التي شهدت آثارها كل دول الخليج، لكن في الإمارات جاءت الثمانينيات لترسخ من صوت الإنسان الإماراتي صاحب الهوية الخاصة في هذا الكيان الجديد الناشئ. لقد بدأت قضاياه تتشكل، حيرته الخاصة والمخاوف إلى جانب النهضة الكبرى وتكريس مفهوم المواطنة وما يرتبط بها، ولعل أبرز ما عبر عنه في آن الإماراتي بشكل خاص مرتبط ومتصل بالجانبين، قلقه الإماراتي وقلق تأثير الطفرة النفطية هو المرتبط بالوجوه الغريبة التي راحت تتوافد لتفوقه في العدد، “التركيبة السكانية” التي راحت تكبر فجوتها، وأذكر من الأمثلة على ذلك رواية “سيح المهب” لناصر جبران. 

أما بالنسبة للمرأة، فإنها في معضلة مركبة، داخل تلك المعضلة المتنامية، فهي هنا، تتلمس صوتها الخاص وسط زحامين، زحام الوجوه الغريبة وزحام الذكورة الإماراتية، ساندها في بعض الجوانب قوانين تمكين المرأة التي رسختها قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة التي وعت مبكراً لأهمية وجود المرأة في الفضاء العام باعتباره ضرورة لا رفاهية نظراً للتعداد السكاني الذي تشكل فيه المرأة الإماراتية نسبة 48% تقريباً مقارنة بالرجل الإماراتي الذي يشغل المتبقي من النسبة، وهي حالة فريدة مقارنة بمواضع أخرى من الخليج.

المادة السابقةفي ذكرى انتفاضة مارس
المقالة القادمة“تويتر” لا يصنع كاتبًا

آخر الأخبار

أخر المقالات