البطالة  ..  السهل الممتنع

0
64

للوهلة الأولى يبدو للمتابع العادي لقضية البطالة في البحرين على الرغم من كل تعقيداتها وتداعياتها القائمة بأنها اصبحت كما السهل الممتنع، حيث تبدو في بعض جوانبها وكأنها متعذرة بل حتى صعبة الحلول، فيما على الجانب الآخر وبلغة الارقام المعلنة وطبيعة وهيكلة سوق العمل في البحرين تبدو كأنها سهلة المنال وبالإمكان ايجاد حلول ناجعة لها.  بكلمة اخرى تبدو البطالة أحياناً كثيرة وكأنها أمراً عارضاً يمكن تجاوزه بشيء من التنظيم والقرارات الإدارية.


لكن، هل هذا هو الواقع الفعلي على الأرض؟! وهل المسألة في متناول الدولة والقطاعين الخاص والعام؟! أم أن لذلك  وجوه وارهاصات متأصلة وقائمة لا يريد المعنيون حتى ملامستها أو الحديث حولها بشيء من العقل والإرادة؟!

لا أدعي أنني أمتلك الجواب الشافي، بل لا احد بإمكانه أن يضع وصفة سحرية لذلك، في بلد صغير المساحة وبعدد سكان لا يتجاوز المليون والنصف في تعداده، يشكل الأجانب نسبة لا تقل عن 53% من تعداد السكان  حيث يمثل الاجانب اكثر من 700 الف من قوة سوق العمل، فيما لا يتجاوز اعداد المواطنين العاملين في القطاعين العام والخاص ال150  الفاً فقط من بينهم ما لا يقل عن أكثر من 7400 أجنبي يعملون في القطاع العام.


تلك أرقام لها دلالات لا يمكن اغفالها إذا ما أردنا فعلا أن نلامس قضية البطالة بشيء من الواقعية، حيث أن لتلك النسب ومن الوهلة الاولى دلالة واحدة ووحيدة، مفادها أن هناك تشوهات واضحة المعالم في سوق العمل لا يمكن التسليم أبداً بالتعايش معها، فهي نتيجة حتمية لنهج اقتصادي غير حصيف البتة، لا يمكن له إلا أن ينتج مثل هذه التعقيدات والتشوهات مضرة، ولها حتماً انعكاسات سلبية مدمرة لا يمكن الهروب منها، مهما حاولت ارقام ونسب وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية أن تجمل كل هذا القبح وهذا التشوه غير المحمود.


فالمتابع لسوق العمل البحريني اليوم يستطيع بوضوح أن يراقب العديد من المؤشرات التي للأسف لا يجري التعاطي معها بروح المسؤولية أحيانا، وأحيانا بكثير من الاستخفاف والاستغلال غير المسؤول أو بطريقة الهروب للأمام، فيما تتراكم تعقيدات معضلة البطالة وتتوارث الوزارات والجهات المعنية تلك القضية وكأن لسان حالها يقول ليس بالإمكان أفضل مما كان!


فيما يأكل الفقر والجوع والقهر والتمييز شرائح واسعة من شباب  وشابات الوطن، في وقت دخلت شرائح المقيمين منافساً قوياً بات يحظى بكل أسف بحظوة الكثير من أصحاب الأعمال في سوق استهلاكي غير منتج، يعتاش كثيرا على ما تقدمه الدولة من مشاريع شحيحة.


لماذا إذا نقول إن واقع البطالة المرير يبدو وكأنه كما السهل الممتنع؟!

الاجابة على ذلك يمكن استحضارها من تلك الأرقام الرسمية التي لا يبدو معها الأمر بكل هذا التعقيد لو أننا امتلكنا بالفعل برامج وخططاً حقيقية غير تلك التي تتعاطى مع هذه المشكلة حالياً بأسلوب الترقيع احيانا وبردّات الفعل المتعجلة التي لا تمتلك الرؤية ولا تقدر أبداً على الاقناع مهما حاول مطلقوها.


   المسألة من وجهة نظري لا تحتاج إلى كل تلك الأرقام أو الهروب الدائم إلى الأمام او حتى تلك البرامج الخائبة بكل أسف، المسألة تحتاج فقط لإرادة وقرار سياسيين على أعلى المستويات يتفهم مخاطر وارتدادات مشكلة البطالة اجتماعياً واقتصادياً وحتى أمنياً، ولا يجب التردد في ذلك أبداً، فالمسألة لم تعد محصورة في شرائح محددة من الخريجين كما عهدنا ذلك من قبل، فالبطالة أضحت تطال الأطباء والمحامين والممرضين والمحاسبين وخريجي القانون والمعلمين ومدرسي التربية الرياضية وعمال الحراسات وعمال سوق التجزئة وغيرهم وهؤلاء هم اساسا من يمثلون مقومات الطبقة الوسطى والتي بكل بساطة يعتمد عليها الاقتصاد وتقاس بها مؤشرات النمو والرفاه الاجتماعي، فيما تراجعها أو حتى مجرد اهمال المعالجات المطلوبة لإصلاح وضعها المقلوب سينتج حتما مجتمعا فيه من التشوه والعقد والمصاعب وحتى الجرائم، لا سمح الله،  ما لا نتمناه لبلدنا…ببساطة لا نحتاج لأن نستمر في حالة انكار وتطمينات لا تستطيع الصمود امام الحقائق المعاشة على الارض…فقط نحتاح لقرارات سياسية عاجلة فالبطالة وتداعياتها لن تنتظرنا مناكفاتنا طويلاً!