إن حرية المعتقد مطلب ملح على مرّ الدهور، وهو المطلب الذي يبقى هاجسنا الأساسي، وخصوصاً عند الشبيبة التي تنشد التقدم والازدهار والتطور الفكري، وذلك بحق وعي جماهيري يرفض الطائفية والعنصرية.
إصرار الشبيبة المتنورة العقلانية مهم لأن الطائفية أعاقت الكثير من أمور الحياة وأصبحت تمزق البنية المجتمعية ودهورت علاقة التواصل الاجتماعي التوعوي والعلمي، حيث كرّست التكتلات الفئوية في الاطر المذهبية، مما عزز الانقسامات، وفي الآونة الأخيرة بدأت تتوسع وأصبحت كأحزاب انشقت من مبادئها الأساسية، وبرزت شخصياتها تبالغ وتغالي، حتى وصلت تكتلات تعادي وتكفر، وأخذت منحى اعلامياً دولياً خطيراً، وتوسعت بعد أن رأى بعض أعضائها أنها حققت مكاسب مالية من الدعم الذي يدفعه البسطاء بحسن نية وعفوية، فأصبح التوسع في شتى المجالات الإعلامية والسوشل ميديا والقنوات الفضائية.
أغرى ذلك الأوساط التي تستفيد من هذا التشرذم، وذلك ليسهل عليها خلط الأوراق بكثرة الانقسامات، حيث أصبحت داعماً قوياً باسم الولاء لجهة ما دون التركيز على الجوانب الاجتماعية للمعوزين، وبالطبع أدى هذا السلوك الفوضوي الخالي من البرمجة والحلول إلى وضع يزداد تأزماً، نتجت عنه تداعيات حرفت المسار النضالي، غير أنها لم تفلح في تقديم أي منجز يذكر، لا على الصعيد الاجتماعي ولا على الصعيد العمالي، بل أنجرت وراء تشويه العمل الديموقراطي، وفرطت في المكاسب البرلمانية التي تحققت لها، وغدت البرلمانات المتعاقبة تأخذ منعطفاً غاية في السلبية والانتهازية وزاد الطينة بلة بعدما أخذت تحمل على البرلمان بمن فيه الأقلية الوطنية التي تتصدى للمناوئين.
تعد هذه خطوة خطيرة يدفع ثمنها الآن النواب المخلصون الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة، ليدفع الشعب ثمناً باهظاً بتردي وضعه المعيشي والاقتصادي، وتزايد وتيرة التركيبة الديمغرافية لشعبنا الأبي المكافح، حيث صارت القوانين التي تثبت ضده بأسس شرعية، وها هو أصبح يخرج من ازمة ليتلقى أزمة أشدّ وأسوأ وبالقانون في زمن نستطيع صدها بتكاتفنا.
إن المناضل الصلب لا تتعبه العملية النضالية بقدر ما تتعبه وتؤلمه القسوة والتفكك الذي يطال الفقراء منا، حيث يتعرض لعملية استغلال ممنهج، حيث ينجر وراء الوعود الكاذبة .. لا يلام لأنه كالغريق الذي يتشبث بقشة.
إن نضالنا لأجل التقدم والازدهار ورفع الهموم عن كاهل شعبنا لا يأتي الا بتضافر الجهود العامة، إن الشعوب هي ضحية فمن الواجب علينا فهم احتياج أولوياتها، لا يتوجب علينا أن نحشرها في متاهات هي غنية عنها، ولهذا يساورها القلق باستمرار لما تمرّ به من محن وكوارث وعوز، يجب أن نكون عونا لها، لذا على كل من يسعى لحب شعبه أن لا يدفعه نحو الهاوية، عليه أن يمكن الشباب في تلقي العلم والمعرفة، وهذه مهمة تحتاج إلى مثابرة لبناء أجيالنا، نصقل فيهم روح المحبة والألفة ونبعدهم عن الانزلاقات والارتماء في أحضان السوء لكي لا يسقطوا في حجج الطائفية التي يزرعها البعض في نفوسهم البريئة العفوية، وندفع فيهم روح المحبة لكل الشعب وللوطن، لابد لنا جميعاً من جيل جديد متفتح، ميال للمعرفة والعمل، مخلص لحب الخير ونصرة الضعفاء، وتوّاق للنهضة والمساعدة.
كلما ارتقى أبناؤنا بهذا السلوك كلما حظينا بجيل صاعد متحضر ومدافع عن وطنه، لنقف ضد اغتيال إرادة شعبنا الذي يعاني نفس محنة الآباء، لنتوحد ضمن شعار الامل لأبنائنا ودفعهم نحو آمال مستقبلهم ليحققوا حلمهم وحلم آباءهم بوطن مزدهر مزيّن بحب جماعي بلا فساد ولا محسوبية ولا طائفية.
إننا كتوجه نقرأ الأحداث اليومية، ونضع نقاط برامجنا، نتفحص الأمور ونبحر برؤانا نحو البناء والصدق، ونحاول مع الآخرين التحاور بشأن ما يسمو من تفنيد لواقعنا المرير، وذلك لكي يسمو الوطن بمواطنيه، ونأمل بالتوفيق بنهج مسيرتنا، محاولين قدر الإمكان النجاح والتقدم.
يجب أن نضع في حسابنا الذين يتحينون فرص الانزلاقات والثغرات لقطع الوصل والتقرب لبعضنا، فنتوسع في خطبنا ونشحنها بالأمل، ونتحاشى التشنجات والتصيّد ونصدّ كل من تسول له مآرب الفتنة والتشتت، لكي نظفر بمسار نحقق فيه آمالنا وفاءً لشعبنا الذي ينتظر انتزاع حقوقه.