كان أكبر خطأٍ اُرتكِب بحق شعوب الاتحاد السوفياتي هو حلُّ جمهوريات الاتحاد السوفياتي الاشتراكية، عندما اُتّخِذ القرارُ من قبل رؤَساءَ ثلاث جمهوريات، في مقدمتهم رئيس روسيا بوريس يلتسين ومعه رئيسا أوكرانيا وبيلاروسيا بإنهاء الاتحاد السوفياتي في الثامن من ديسمبر عام 1991، وتشكيل رابطة الدول المستقلة، بالرغم من تصويت الأغلبية الساحقة من شعوب الاتحاد السوفياتي لصالح الحفاظ على الاتحاد، ففي 25 ديسمبر 1991 أعلن رسميا حلّ الاتحاد، وفي اليوم التالي تمَّ الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفياتية الخمسة عشرة.
شكَّل هذا القرار ضربةً قويةً لدولةٍ عظمى دامت حوالي سبعين عاماً تخشاها الدول الإمبريالية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، التي عملت وحلفاؤها في الأطلسي على هزيمتها وتفكيكها إلى دويلات من أجل السيطرة على تلك الدول التي كانت تشكِّل الاتحاد السوفياتي، وبالفعل هذا ما تحقق لها فيما بعد، وأصبحت بعض تلك الدول تتسابق من أجل الولاء للإمبريالية الأمريكية وتكِّن العداء إلى روسيا بشكل لا مثيل له، بالرغم من وجود مواطنين روس بإعداد كبيرة في بلدانها، وبالرغم من المكاسب الكبيرة التي تحققت لتلك الشعوب والدول على شتَّى الأصعدة ومعها أيضا دول المنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا، بفضل المساعدات السخية من الاتحاد السوفياتي طوال عقود من السنين، وتطورت وتقدمت بأموال الروس وبفضل تضحيات جنود الجيش الأحمر السوفيتي تحررت من الاحتلال النازي الألماني في الحرب العالمية الثانية، حيث فاق مجموع من قُتِل 27 مليوناً من الجنود السوفييت.
أصبحت هذه الدول اليوم أعضاء في الحلف الأطلسي يكِّن حكامها عداء لروسيا، ولهذا فإن ما يجري في أوكرانيا اليوم ليست حرباً روسية أوكرانية، هي حربٌ أطلسيةٌ روسيةٌ بامتياز، سُخِّرت لها مليارات من الدولارات والأسلحة والدخيرة العسكرية الكبيرة ليس لصد ( العدوان أو الغزو الروسي ) مثلما يُقال في الإعلام الأمريكي والأوروبي، وبالرغم من التظاهرات والاحتجاجات الجماهيربة ضد الحرب في أوروبا والأزمة الاقتصادية الخانقة لدولها جراء الحرب، إلا أنها لازالت تكابر ولا تريد الاستقرار والسلام لأن الأمريكان يرفضون ذلك، أصبح هدفهم واضحاً و هو إضعاف دول أوروبا اقتصادياً وجعلهم تابعة لهم،.
إنها حربٌ خطط لها الأمريكان من سنوات وتمَّ حقن الشعب الأوكراني بحقن عدائية لروسيا، ومارس الحكام النازيون في كييف سياسة الأرض المحروقة للناطقين باللغة الروسية في إقليم الدونباس وعلى مدار ثمان سنوات من عام 2014 إلى 2022، من إعتداء وقتلٌ للمدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والكبار، ولم يتطرق لها الإعلام الأمريكي والأوروبي، ولم يحركهم الضمير والأخلاق ولا شعار حقوق الإنسان الذي يتغنَّى به من قبلهم، مثلما يجرى للشعب الفلسطيني الشقيق من قبل قوات الاحتلال الصهيوني من قتلٍ واعتقالٍ يومي وهدم البيوت الفلسطينية، والزجّ بآلاف من المعتقلين في السجون الصهيونية، ولا يتحرك العالم لوقف العدوان الصهيوني، مفهوم الكيل بمكيالين أصبح واضحاً للشعوب والبلدان المستقلة، هذه أوروبا التي تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان بعيداً عنهما في فلسطين المحتلة و في أقليم الدونباس وفي دول عدة حول العالم يمارس فيها التنكيل والقمع تجاه شعوبها .
لا ير الأمريكان وحلفاؤهم الأوروبيون وقف الحرب وإحلال السلام في أوكرانيا، حتى لو قُتِل الآلاف من الشعب الأوكراني ودُمِرت مدنه وقراه. يريدون استنزاف روسيا عسكرياً وإضعافها اقتصادياً من خلال فرض العقوبات عليها ومحاصرتها دولياً، لأنهم يعرفون جيداً أن إجراء مفاوضات سلام وإنهاء الحرب يعني الإقرار بنشوءعالم جديد متعدد الأقطاب، هذا ما تعمل على إجهاضه الإمبريالية الأمريكية لكي تكون هي سيدة العالم ومتحكمة في البلدان والشعوب، هنا يبرز سؤال لماذا لم يُحل الحلف الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة وإنهاء وجود دولة الاتحاد السوفياتي العظمى وبعد حلّ حلف وارسو في الأول من يوليو عام 1991 في براغ في الاجتماع الأخير للجنة الاستشارية السياسية للحلف، فمن المعروف بأن حلف وارسو المكوّن من (الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية) تأسَّس في 14 مايو عام 1955، فيما غالبية هذه الدول ومعها دول البلطيق الثلاث: أستونيا، ولاتفيا، لتوانيا، انضمّت إلى حلف الأطلسي، ما يعني محاصرة روسيا، ومن هذا يتضح جلياً من يريد الحرب ومن يريد السلام والاستقرار والأمن ليس لأوروبا وحدها بل للعالم أجمع، لهذا على الشعوب الأوروبية مواصلة الضغط على حكوماتها لوقف الحرب وإحلال السلام، ورفض الوصاية الأمريكية على قرارها.