هناك هجمة رأسمالية نيو- ليبرالية من أجل تحويل الدول للاهتمام بالأمن والعلاقات مع الدول فقط اما بقية شؤون الدولة من رعاية اجتماعية وصحية وتعليمية واسكان وثقافة وغيرها يجب ان تترك للقطاع الخاص لإدارتها، وهذه قضية بالغة الأهمية يجب الالتفات لها، الهدف النهائي من تطبيق النظام الصحي حسبما جاء في قانون انشاءه هو عدم تقديم الخدمات وانما تنظيم تقديم الخدمات الصحية.
إن التوجه إلى تشريع الضمان الصحي بحسب أحد المسؤولين يرجع بسبب ارتفاع عدد السكان وأصبح من الضروري اجراء تغييرات جذرية في تقديم الرعاية الصحية في البحرين، ما يقود إلى التساؤل عما هي مبررات زيادة السكان في البحرين حتى نغير مبدأ اساسي تبعته البحرين منذ 6 عقود وهو تأمين الرعاية الصحية المجانية.
البحرين كانت من الدول التي تفخر بأنها دولة الرعاية الاجتماعية بكل معنى الكلمة، وكانت تتبع اتفاق عالمي بعد الحرب العالمية الثانية، لكن اليوم هناك رد فعلي حقيقي في المجتمعات الغربية حول الاتجاه نحو النيوليبرالية بهذه الطريقة.
يقول قانون الضمان الصحي بأن الحكومة ستأخذ من الضرائب نسبة معينة لتجعلها في صندوق هذا الضمان ليكون صندوقاً للرعاية الصحية ويكون مستقلاً ماليا وإدارياً عن إدارة الدولة، مستلهماً من النظام الصحي البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، لكن من المهم أن يراعي النظام الصحي المزمع تطبيقه تقديم الخدمة للجميع بصورة متساوية لا أن يحصل الفقراء والمهمشون على رعاية صحية أقل مما يحصل عليها الأغنياء، وإنما تكون الرعاية مساوية وبكل تفاصيلها بدون تفاوت في تقديم الخدمة، وعلى النظام التأميني يجب ان يساعد النظام الصحي العام ولا يحل محله.
هناك شعور عام بأنه شيئاً فشيئاً ستهمش وزارة الصحة وتعطى الرعاية بأشكالها المختلفة إلى لمؤسسات مختلفة، كان لدينا نظام صحي متماسك وواضح المعالم متمثل في وزارة الصحة اما اليوم فهناك الكثير من الجهات المسؤولة عن تقديم الرعاية الصحية.
يجب أن لا نتخلى عن دولة الرعاية الاجتماعية في البحرين، كما يجب ان يكون النظام التأميني الخاص خادماً للنظام الصحي أو مستغلاً له، وهذا ما نستطيع أن نفعلة إم أردنا، فالنظام الصحي هو حقل انساني ويجب ان يبقى إنسانياً دون ان تتقدم عليه أي اعتبارات تجارية أخرى. التجارب في أمريكا وأوروبا اثبتت ان الاتجاه بدون حدود واضحة للتأمين الصحي بدون صرامة حكومية أدى ويمكن ان يؤدي إلى نتائج عكسية يكون المواطن ضحيتها، ويكون المواطن الفقير تحت سلطة شركات التأمين واشتراطاتها التي ليس هناك من ضمان لعدم تغيّرها كلما رغبت تلك الشركات.
كانت الرعاية الصحية في البحربن بيد الدولة، ووطنية القائمين على الصحة والتزامهم بهذا الوطن ومستقبله جعلهم ينشؤون كلية العلوم الصحية من أجل أن يدربوا القوى العاملة البحرينية لا ان يستجلبوا شركة استثمارية من الخارج، وبعدها تمّ انشاء كلية طب من اجل ان تخرج اطباء، ومن بعد تمّ انشاء برنامج متكامل للبعثات المتخصصة لإرسال الأطباء للخارج وتدريبهم في مختلف التخصصات، وكانت هناك خطط واضحة لإحلال العمالة الوطنية عبر التدريب والابتعاث، هذا النوع من التفكير فقدناه اليوم وحلّ محله التفكير التجاري واجتذاب الاستثمارات بدون معايير واضحة.
حينما تكون الرعاية الصحية مسؤولية الدولة إذا فهي مسؤولة عن تمكين القوى الوطنية من تقديم هذه الرعاية للمواطنين، لا ان تستقدم من الخارج ممن يقدمون الخدمات الصحية للمواطنين، والمفروض أنه عند جذب الاستثمارات في المجال الصحي يجب ان توضع شروط ومعايير تقديم هذه الخدمة، وليس من المقبول ان يكون هناك أطباء أجانب بينما الطبيب المواطن عاطل عن العمل.
وهناك سؤال علينا طرحه: لماذا لا يوجد نظام رعاية صحية مشترك لمجلس التعاون؟ البحرين كانت سباقة في اقتراح نظام لشراء الأدوية بصورة مشتركة، ونظام صحي خليجي مشترك، وانشاء نظام صحي لتقديم الرعاية الصحية للجميع في كل مكان من دول الخليج، في مرحلة سابقة ساد فيها النظر إلى القطاع الصحي بصورة انسانية اما اليوم فالاتجاه هو أن يكون القطاع الصحي استثماراً.
التذرع بمستوى حديثي التخرج من المواطنين غير مقبول، يمكن ارسال هؤلاء الاطباء وتدريبهم في التخصصات التي يشغلها الاجانب ويمكنهم بعدها استلام الوظائف التي يسيطر عليها الاجانب، فالبحرين بالرغم من امكانياتها المحدودة كانت في السابق تقوم بما لا تقوم به كل الدول العربية التي فاقتها تقدماً في المجال الصحي، حيث كانت البحرين تتقدم في الطب وفي تقديم الرعاية الصحية الأولية، وهو ما ادى في وقت من الاوقات لأن يتقلص دور الطب الخاص، بل وحدث أن بعض مقدمي الخدمات الطبية في القطاع الخاص تركوا البلد لقلة المردود، وثقة المواطن بالخدمات الصحية الحكومية وتفوقها على الخدمات الصحية في القطاع الخاص.
عليما ألا ننسى أبدأً أنه بالنسبة للفرد فإن الصحة هي أهم شيء، أما بالنسبة للمجتمع بصورة عامة فإن التعليم هو العنصر المهم فإن صلح صلح حال المجتمع، وكذلك الصحة التي يجب ان تكون على مستوى تطلعات الفرد، وعلينا اليوم مواجهة تراجع الجانب الانساني في الجانب الصحي لدينا، فهذا غير مقبول، وبالنسبة لي أقول إنه يجب ان لا يتقاعد الطبيب إلا حين يصل لمرحلة لا يستطيع فيها العمل، وطالما كان يستطيع ان يعمل فلا بد ان يستمر فيه، وقد رأيت في دول أوروبا أطباءاً أعمارهم ناهزت الـ 90 عاماً لا يزالون على رأس عملهم، ذلك أن العمل في القطاع الصحي واجب ومسؤولية ويجب النظر إليه من هذا الجانب بالذات، وقبل كل شيء.