الشاعر ميخائيل ليرمنتوف

0
64

لم يعرف تاريخ الأدب العالمي شاعراً عبقرياً، تمكن خلال فترة حياته القصيرة للغاية من أن يترك للإنسانية تراثاً أدبياً رائعاً، مثل الشاعرالروسي ميخائيل ليرمنتوف (1814- 1841)، الذي قتل في مبارزة  قبل أن يكمل السابعة والعشرين عاماً من عمره، بعد أربع سنوات من مقتل الشاعر ألكسندر بوشكين، ولكنه وخلال هذه الفترة القصيرة تمكن من إبداع المجموعات الشعرية والملاحم والراوية الخالدة “بطل من هذا الزمان” وغيرها من النتاجات التي تشكل مرحلة هامة في تاريخ الأدب الروسي.

ولقد قيم النقاد نتاج ميخائيل ليرمنتوف تقييماً عالياً، اذ اعتبروه خلفاً فذاً للشاعر بوشكين، وكانت قصيدته “موت الشاعر” بمثابة الشرارة التي كتبها بعد استشهاد بوشكين، وبمثابة الشعلة التي عمّ لهيبها جميع أنحاء روسيا وخاصة أنه أدان المؤامرة التي حيكت ضد بوشكين من قبل القيصر وأعوانه، ووعد بأنه سيثأر لصديقه من المجرمين القتلة، كتب الشاعر ليرمنتوف الكثير من القصائد التي مجد فيها الجمهورية وهجا النظام الديكتاتوري القيصري مما أدى بالقيصر الى نفيه إلى القوقاز.

حيكت شتى المؤامرات للقضاء على الشاعر ليرمنتوف، وزج به في أكثر المعارك ضراوة ولكن أبدى شجاعة لامحدودة، هذا وقد عثر على الوثائق التي تؤكد إشتراك القيصر في تدبير المؤامرة، وعلى لسانه تتردد صفة النضال من أجل الحرية.

فيما يلي ترجمة لقصيدته “موت الشاعر”.

مَاتَ الشَّاعر !

سَقَطَ شهيداً

أسيراً للشرفِ

***

الرصاصُ في صدرِه يَصرُخُ للانتقام

والرأسُ الشَّامِخُ انحنى في النهاية

مَات !

***

فَاضَت رُوحُه بالألَمِ من الافتِراءات الحًقيرة

حَتَّى الانفِجَار ..

وَقَفَ وحيداً في المواجهة وها قد قُتل !

قُتِل !

فَكُلُّ نُوَاحٍ الآن عَقيم

وَفَارِغةٌ تَراتِيلُ الإطرَاء

وَهَمهَمَات الأسَى الكَسِيح

***

ونحنُ نُحملقُ في إرادةِ الموت !

وَبَعد – فهل أنَتُم أبرِيَاء

يَا مَن حَاصرتُم في قَسوةَ

مَوهِبتَهَ الحُرَّةَ الشُّجَاعة ؟

***

يَا من نَفَختُم في الَّلهَب الخَامِد

حَتَّى فَورة الغَضَبِ المُفَاجِيء

فَلتَبتَهَجُوا إذَن

فَلَقَد كانَ صَفَاءُ الألَمِ فَوقَ طَاقَةِ الاحتِمَال

.

وَاشهَدُوا الآن

أنَّ قندِيلَ العَبقَرِيةِ انطَفَأ

وإكليل الغَارِ عَلى جَبهَتِه يَذوِي

لَم يعرف القَاتِلُ التَّردُّد

وَهَو يُصَوبُ في بُرُود

لا طَلقَةٌ واحدةٌ أخطَأَت القَلب

وَلا وَحي مُنقِذٌ أَرعَش البُندُقِية في اليدِ الوَحشِيَّة

***

مَاتَ وارتَحَل

مِثلَ ذَلِكَ الشَّاعِرِ الرِقيقِ القَلبِ المَغمُور

وَالَّذي أَنشَدَ فيه قَصَائِدَ رَائِعة

مَن مِثلَه بِيَدٍ قَاسِيَة خَرِبَة

سَقطَ ضَحِيَّةَ الغِيرَة العَميَاء

لماذَا غَادَرَ صَدَاقَاتِه وَتَأمُّلَاتِه الآمِنَة

إلى عَالَم مَن الحَسَدِ الخانِق

***

لِقَلبٍ عَشِقَ الحُرِّيَّةَ واشتَعَلَ بالحُب ؟

لِمَاذَا أَسلَمَ يَدَيه لِلوُشَاةِ التَّافِهين ؟

لمِاذَا استَسلَمَ لِلكَلماتِ الكَاذِبَةِ والابتِسَامَاتِ المُخَادِعَة ؟

وَهَو مَن كَانَ

مُنذُ الشَّبَابَ قَادِرا على اكتِشَافِ حَقِيقَة النَّاسِ

***

لَقد سَلبَوه تَاجَهُ وَتَوَّجُوه بِالشَّوك

لِيُمَزِّقُ الشَّوكُ الخبئ

جَبهَةَ الشَّاعِرِ النَّبِيلَة

وكَانَت لحَظاتُه الأخِيرَة

مُسَمَّمَة بالشَّائِعَاتِ والهمس البَذِئ

وَهَا قّد مَات

***

بِالعَطَشِ العَبَثِي إلى الانتِقَام

مُعَذَّباً بِالآمَالِ المُحَطَّمَة التي تَتَهاوَى سَريعا

لَن تَتَرَدد الأُغنِيَات الرَّائِعَةُ مِن جَدِيد

فَالصَّوتُ النَّبِيل يَخلُدُ للصَّمت

في الحُجرَةِ الصَّغيرَةِ دُونَ بَاب

وَآهٍ ، أُغلِقَت الشَّفَتَان

***

أَمَّا أَنتُم أَيَّتُهَا السُّلالَةُ المُتَعَجرِفَة

يَا أَبنَاءَ من اشتُهِرُوا بِمَخَازِيهم الوَضِيعَة

يَا مَن بِقَدَمٍ ذَلِيلَةٍ قَد دُستُم

بَقَايَا عَائِلاتٍ نَبيلَة تَجَهَّمَ لَهَا الحَظ !

يَا مَن تُحِيطُون بِالعَرشِ في قُطعَانٍ شَرِهَة

كَالجَلاَّدِين الَّذِينَ يُخفُونَ نَوَايَاهم الحَقِيرَة

في أَثَوابِ العَدَالةِ ، مُتَظَاهِرينَ بَالبَرَاءَة

مَن أَجلِ ذَبحِ الحُرِّيَةِ والَمجدِ والعَبقَرِية !

هُنَاكَ حُكمُ الرَّب

حُكمٌ رَهِيبٌ يَنتَظِر

لا يَمِيلُ مَعَ الذَّهَب

وَأَمَامَ العَرشِ الإِلَهِي

لَن تَنقِذُوا جُلُودَكم بِقَذفِ الأَوحَال،

ولَن تَستَطِيعَ كُلُّ دِمَائِكم القَذِرَة

أَن تُعَوِّضَ أَبَداً الدَّمَ العَادِلَ لِلشَّاعِر .