شكّل رحيل الرفيق والصديق جواد المرخي صدمة مؤلمة لم نتوقعها بهذه السرعة، وبدون مقدّمات .كان الرفيق جواد يتحلى بالصبر والهدوء. يضع تصوراته لكل المشاكل التي يواجهها ويشاركني في ذلك، أحياناً نتقاسم معا في بناء أحلامه المرتبطة بعالم جديد للفكر العمالي في المنبر وللطبقة العاملة. كان بحراً متدفقاً من المعرفة والثقافة الفكرية، وبشكل خاص الثقافة العما ، فللرفيق جواد اسهامات كبيرة وكثيرة على صعيد “التقدمي”، لا يمكن ذكرها جميعا ولكن سأذكر أهمّها:
أولاً: الرفيق جواد (بوعبدالله) كصديق:
تعرفت على الرفيق جواد في بدايات تأسيس “التقدمي” اثناء اجتماع الجمعية العمومية لتأسيسه في فندق الدبلومات في عام 2002، فوجدته يتسم بالهدوء واللباقة في الحديث، واستمرت علاقتنا الرفاقية حتى رحيله الفاجع، أي أنها امتدت لاكثر من 22 عاماً.
كان يدعوني إلى منزله وتحوّل هذا اللقاء إلى لقاء منتظم في كل شهر يتمّ فيه تداول قضايا وهموم القضايا العمالية وقضايا “التقدمي”، ونضع تصوراتنا لهذه القضايا بشكل شفوي عبر اجتهاداتنا الشخصية، ومن خلال الثقة الكبيرة التي بيني وبينه عرفت الكثير من مقام هذا المناضل العمالي، فهو كادر قيادي متقدم. رحل الرفيق وفقدتُ الدفء الذي أجده عنده، كلما كنت ألجأ إليه عند أي منعطف أواجهه، فقدته كإنسان وفقدته كرفيق وفقدته كصديق.
ثانياً: دوره على الصعيد الفكري
كان الرفيق جواد كادرا متقدما من كوادر جبهة التحرير وله دور قيادي على صعيد الحركة العمالية ، فهو من مؤسسي نقابة العاملين في قطاع البناء والانشاء الذي تاسست في 21 مايو 1974 وكذلك من مؤسسي المنبر التقدمي في بداية التشكيل عام 2002. علّمته الحياة الحزبية أن يكون مبادراً في تنفيذ الأوامر قبل صدورها، دقيقاً في مواعيده ومحباً للالتزام، هذه الروح القيادية التي تعلمها في مدرسة الحزب، لا يبرز نفسه أمام الملأ فهو الجندي المجهول الذي عمل بصمت، التحق بدورات متقدمة في العمل النقابي، أهمّها دورة مدتها عام واحد في موسكو في منتصف عام 1974. وكان مطلعًا بشكل جيد على الفكر التقدمي والماركسي.
ثالثاً: دوره العمالي والنقابي
الرفيق جواد استلم قيادة القطاع العمالي في الدورة السابقة لكونه عضواً في المكتب السياسي ومشرفاً على القطاع العمالي. كان خير مثال في ادارة اللجنة العمالية، فوضع تصوراته على مدى فترة انتخابية كاملة من برامج وأنشطة عمالية وثقافية، عندما توكل إليه مهمة اصدار البيانات لا يرجعون له يل يثقون تماما بقدراته وامكانياته الثقافية والفكرية، ففي الثقافة العمالية قام بالإشراف على الدورات والورش، وتقديم الندوات العمالية على الصعيد العمالي والحقوقي، وكان ملتزماّ بكتابة المقالات العمالية في نشرة المنبر التقدمي الشهرية “التقدمي”، حيث كانت ملاحظاته لي وبشكل مكرر لمقولته الالتزام تجاه النشرة بمثابة الالتزام بمهمات الحزب ومبادئه، كما قام بتدوين تاريخ الحركة النقابية بالتعاون مع الرفاق ومن ضمنها ما حواه كتاب “تاريخ الحركة النقابية – تجارب ودروس”، الذي تناول تجربة العمل النقابي في 1974.
أما عن دوره في الأول من مايو ، فجميع الرفاق يتفقون حول أهمية الرفيق في التنظيم والإعداد لهذا الحفل الذي نحتفل به سنوياً، ففي الأيام الثلاثة السابقة للمناسبة، في الاول من مايو، لا يهدأ له بال حتى انجاز كل المهمات الموكلة للجنة العمالية، من تثبيت القماش حول جدران التقدمي، ووضع الشعارات في أماكنها المناسبة وتثبيت الإنارة .هكذا كان رفيقنا صارماً وملتزماً في انجاز مهماته.
وأخيراً وصاياه للتقدمي، حيث كانت ملاحظاته بأن أغلبية كوادرنا تتقدم في السن، ولا بدّ من تغذية التنظيم بدماء جديدة كمفتاح أمان لاستمرار”التقدمي” وعطائه. والوصية الأخرى التي كان يكررها لي باستمرار حول ضرورة استقطاب عناصر جديدة عبر أهم وسيلة، وهي العمل الجماهيري.
كل التحية لذكرى الرفيق جواد وسيبقى بيننا بأفكاره النيّرة.