عن الجمال والسعادة

0
36

سؤال: لماذا نلح في طلب الجمال المظهري إلى هذا الحد؟ هل يطلب الجمال لذاته أم من أجل شيئ آخر؟. قبل أن أجيب على هذا السؤال، أحيلكم على الآف من مواقع طلاب الجمال والموضة والأناقة على وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة والمختلفة، تأملوا فيها وإلى ماذا ترمي؟ هل هدفها ابراز الجمال وتوظيفه والاستفادة والتربح منه، أم انها شهوة الشهرة ولفت الأنظار والمعجبين وتعظيم البزنس عبر تجميع وتكبير المتابعين و اللايكات وكلمات الاستحسان والمديح؟

ونعلم بداهة أن الجمال هو في حد ذاته غاية، فالناس تريد التقدير والتفوق والتميز على غيرها، والجميل يحصل عليه بدون جهد أحياناً. قال أحدهم “أسهل شيئ هو أن تكون جميلاً، إذ ما عليك إلا أن تولد كذلك”، لكن إن لم تولد جميلاً في عالم ينحني تعظيماً للجمال فما عليك إلا ان تخلق المستحيل وتبذل الغالي والنفيس للحصول عليه. لدى الناس يقين عارم أن الجمال جالب للحظ والحضوة والمكانة والتقدير، وأن الطب التجميلي الحديث وتقنياته المتطورة قدّم خدمة كبيرة لطلاب الجمال من الجنسين، وهو قادر  على صنع وتحقيق المعجزات الجمالية اصلاحاً وتعديلاً وترميماً، لهذا ينفق البشر اليوم نساء ورجالاً كل هذه الاموال ويتحملون قسوة الجراحة وتداعياتها ومضاعفاتها من أجل أن يبدو الواحد منهم أصغر سناً واقل انكماشاً وتجاعيداً، يقبل الحسن والجمال فتسعد به الأنظار وتتلقفه العيون والأيدي والأحضان. الجمال لا شك يسعد ويلهم ويمنح الرضا الذاتي والسعادة ويرفع منسوب الغرور والتباهي والتعالي أيضا لدى البعض، ويبدو الأكثر جمالاً هم الأوفر حظاً في امتحانات القبول، إنه جواز مرور لكل شي، للوظيفة والزواج الاستثماري والتجارة وغيرها.

ومن يلج هذا العالم ويسبر غوره، سيجد أن الجمال كان ولا يزال مطلباً في كل العصور والأزمان وإن تفاوتت الأذواق والأمزجة. في تحقيق قرأته قبل سنوات عن الجمال لدى الشعوب وكيف يتفاوت بين ثقافة وأخرى، وجد التحقيق أن السمنة هي أجمل صفة لدى قبائل الطوارق وموريتانيا، ويتهافت الرجال على المرأة ذات الحوض العريض  في الجابون، والشفاه المثقوبة والأثداء الطويلة وحتى الأسنان المتساقطة التي تمنح المرأة مظهراً طفولياً هي صفات مرغوبة ومحببة لدى بعض القبائل البدائية في اثيوبيا وماليزيا والتي لم تصلها رياح التغيير، يخلص المقال بالقول: “قد تكونين يا عزيزتي جميلة الجميلات ولكن في الزمان الخطأ  أو المكان الخطأ”.

في لقاء اجريته مع مصصمة أزياء جزائرية قالت لي: “إننا لم نسع يوما لمحاكاة الموضة الغربية، المرأة الجزائرية ضخمة وسمينة بطبيعتها ونصنع لها الأزياء التي تناسبها”.

لكن في في مهب ريح العولمة صرنا نتلقى نموذجاً واحداً للجمال يسيًر من قبل وسائل الإعلام والإعلان والموضة والأفلام ومنتجات التجميل وصناعته،  وذات مرة سمعت هذه الحكاية من اختصاصي تجميل، إذ زارته سيدة عربية وفي هاتفها صور من زوايا عديدة لأنف الممثلة العالمية نيكول كيدمان، فاجابها الطبيب: الجمال هو التناسق يا عزيزتي. إن أنف نيكول لا يستقيم مع وجه عربي الملامح والتقاطيع، سيبدو أنفك غريباً وصغيراً وحاداً ومدبباً على مساحة وجهك العريض، انف نيكول وحده لا يكفي بل تحتاجين شفتيها وعينيها ووجنتيها.

في عام 1992 وبعد الانفراج السياسي في جنوب افريقيا حضرت حفلاّ  شاركت فيه “ملكات الجمال” في جميع دول العالم في ذلك العام، هؤلاء الجميلات تختارهن لجان خاصة صغيرة ذات معايير محددة وغربية أيضاً، ورغم تفاوت جمالهن وألوانهن وتقاطيعهن وجدت صفتين تجمعهن الطول والنحافة.

نعم لكل عصر مقاييسه، لكن طغيان العولمة في زمننا أفقدنا ميزة وجمال التنوع والاختلاف، فنحن نتشبه اليوم بالأقوى ونحاكي معايير الغرب وأشكال الناس فيه ووجوههم وأزياءهم، وعليه فإن الجمال الأصلي والمتنوع قد تراجع لصالح الجمال المصنًع المتماثل.

فحتى نجمات الهند والصين واليابان وافريقيا انخرطن في هذه الموجة للتماهي مع تيار الجمال السائد وللحصول على المقبولية فساهمن وكرّسن صورة واحدة مطابقة للجمال كما نراه اليوم في كل مكان .

يروى أن غادة الكاميليا إذا دخلت مكاناً ولم يلتفت إليها أحد سارعت إلى أقرب طاولة وراحت تدق عليها بيديها بضربات قوية للفت الانظار، ما يفتح على السؤال الأخير: هل ما يزال الجمال يطلب لذاته أو لمجرد جني السعادة وتحقيق المنافع المادية والشهرة وجلب الانتباه؟