ملامح من تجربة شخصيّة
مع تجدد ذكرى الاحتفال “بيوم العمال العالمي”، وهي الذكرى التي تعني لي شخصيا وللطبقة العمالية في كل أرجاء المعمورة الشيء الكثير، فهو يوم يحمل اسم العمال، يمجد عطاءهم ويبارك سواعدهم ويذكر العالم بإسهامهم باعتبارهم شركاء استراتيجيون في عالم واقع العمل.
وقبل تجدد هذه الذكرى، ما برحت تراودني فكرة نابعة من تساؤل دار في خلدي، ما الذي يمكنني أن أسهم به في هذا العيد المجيد؟ والذي أحسبه يوماً يحتفي بي كوني امرأة عاملة قاربت خدمتي الثلاثين عاما كانت بالنسبة لي رحلة استثنائية خضتها وتعلمت منها الكثير.
عاودتني الفكرة من جديد بمجرد أن طرحت علي فكرة المشاركة بمقال في الإصدار الخاص بهذه المناسبة بنشرة التقدمي، أثار المقترح في ذهني تساؤلا آخر، هل هذا الطلب جاء استجابة لتساؤلي عن كيف يمكن ان أكون الإسهام، وكيف سيكون شكله في هذا العام؟
أحمل في جعبتي الكثير من الكلمات وراودتني الذكريات حول علاقتي بهذا اليوم.
استجمعت شتات نفسي وبدأت أصيغ كلماتي، إنها فرصة لأبوح لكم – وأنا لازلت على رأس العمل – بمشاعر الامتنان لله عزوجل ولمسارات الحياة التي أعطتني خياراً لأكون ضمن صفوف العاملين في قطاع تعد فيه نسبة النساء قليلة بالنسبة لباقي القطاعات، فهل يا ترى أشبع هذا لدي شعورا بالتميز؟ ربما يكون الأمر كذلك، ولم لا؟!
وتذكرت كم أثار اختياري لتخصصي الأكاديمي خيبة أمل لدى والدي رحمه الله بعد أن جاءني بمجموعة من الكتب العلمية اشتراها من مكتبة ابن عمه وصديقه المرحوم الحاج حميد الشهابي “مكتبة العلوم”، وكانت تقع في أحد أزقة سوق المنامة القديم، كان يأخذني إلى هناك وأنا طفلة لصيقة به حتى في رحلته للعمل عندما كان “يشرق” بلهجتنا الدارجة إلى دكانه في شارع الشيخ عبد الله، وكان للكتب رائحة خاصة ولتصفح أوراقها نكهة تنعش روحي رغم حداثة سني.
فقد أدرك حبي لقراءة الكتب وقد أخذت هذا من أمي الحبيبة حفظها الله، بالمناسبة والدتي قارئة نهمة للكتب ولو كانت من الأجيال التي أتيحت للمرأة القروية فيها فرصة التعليم الأكاديمي لكانت معلمة من مستوى آخر، لكنها كانت معلمة للقرآن بطريقة “الهجاء والإعراب” وهي في صحبة خاصة مع كتاب الله عزوجل رغم تقدّمها في السن إلا أن في هذه القراءة نهمها وعشقها الأبدي.
كان والدي يتأمل حصولي على بعثة لدراسة الطب ففي ذلك الوقت كانت دراسة الطب حلم الآباء لأبنائهم المتفوقون أكاديميا، ولكنني ولأسباب لا مجال لذكرها قفزت على هذا الإطار التقليدي مبكرا واخترت تخصصا أكاديميا بعيدا عن المسار العلمي.
خلاصة القول، خوض تجربة العمل في قطاعات متنوعة وآخرها في القطاع الصناعي، كانت هي حكايتي الخاصة والتي لازالت أعيش فصولها وتفاصيلها، فلقد كانت تجربة العمل تجربة مفعمة بالدروس والاستفادات على جميع الأصعدة.
وها أنا اليوم أشارككم جانبا يسيرا منها إذ تخالجني مشاعر الامتنان والحب والتقدير لهذه التجربة بكل ماحفلت به من تحديات لتصيغ حكاية امرأة عاملة في القطاع الخاص، جاءت من وسط قروي وخاضت تجربة عمل حملت في طياتها الكثير من الآمال والأحلام التي يحملها العاملون بخلق واقع أفضل في عالم العمل، وتحمل بين خلجاتها أملاً بأن تكون تجربة العمل أكثر يسراً تتيح لجميع العاملين حياة كريمة رغيدة العيش وظروف عمل لائقة وملائمة بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى، فجميع العمال المخلصين يستحقون ذلك وبكل جدارة.
مشاعر امتنان تغمرني مع هذه الذكرى وآمالا وتساؤلات كثيرة، فكيف يمكنني أن أسهم أكثر للعمال وكيف يمكنني أن أكون ممن يشارك بخلق واقع للعمل يكون فيه العامل شريكاً استراتيجياً في صنع القرار دون الإخلال بأي توازنات في بيئة عمل تتسم بالمحبة والحوار البناء، ومع احترام متبادل وتناغم بين كافة الأطراف لجعل تجربة العمل تجربة *خلاقة* بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
تحية إكبار وإجلال أوجهها لجميع الأبطال الواقفين على ثغورهم خلف خطوط الانتاج يبنون وطناً تفتخر به كل الأجيال، وأقول لهم من صميم قلبي وبكل ما تحمله الأنثى من مشاعر *السلام* “كل عام وأنتم بألف خير” وإلى المزيد من الإمكانيات والخيارات الداعمة لجميع العمال في وطني الحبيب وفي العالم بأسره.