في شهر فبراير من كل عام، يعقد المنبر التقدمي منتداه الفكري السنوي، متناولاً أبرز القضايا الفكرية والثقافية، في الحياة البحرينية والخليجية. وقد أختار عنوانه لهذا العام (قضايا المرأة والحركة النسائية في مجتمعات الخليج العربي)، متسائلاً عن الإنجازات والتحديات، لمكانة المرأة في الحياة العصرية. لم يكن موضوعاً تقليدياً ذالك الذي تمّ إختياره، ليكون عنواناً للمنتدى في دورته التاسعة؛ ولأن قضايا المرأة وطموحاتها، كانت دائماً عاملاً حيوياً لنهوض المجتمعات وتقدمها، ما يدعونا لطرح الكثير من الأسئلة، عن النصف الثاني من المجتمع، والذي تمثله المرأة. ذالك النصف الذي أصفه أحياناً بالمنسي، بسبب الأعراف والموروثات، التي تم وضع المرأة فيها في مجتمعاتنا.
في صباح ذالك اليوم (17 فبراير 2023)، وصلت تقريباً في الساعة العاشرة والربع، حيث بدأت صاحبة الورقة الأولى بسرد محتواها، وهي الباحثة الأستاذة فوزية مطر. قبل الدخول إلى القاعة الرئيسية الخاصة بالمنتدى، تسلمنا استمارة المدعوين، والتي تتضمن أوراق المتحدثين. بعد القيام بالتسجيل في قائمة الحضور، توجهت نحو القاعة من أجل الدخول، وقد كان زخم الحضور في ذالك اليوم، أمراً استثنائياً بالنسبة لي. عنوان الفعالية، كان يوحي بالكثير من الأبعاد غير تقليدية؛ أبعادٌ نفتقدها دائماً في وعينا الاجتماعي وثقافتنا العامة، تلك التي تعكسها القيم التقدّمية، والتي نتساءل عن نسيانها وتراجعها في ثقافتنا.
الأهداف التي يطرحها هذا المنتدى، نستطيع أن نفهمها بشكلٍ أكبر، إذا قمنا بعملية تقييمٍ موضوعيةٍ لعنوانه، والتي أوجزها بثلاثة أجزاء: المرأة، الحركات النسائية، والمجتمعات الخليجية. إن الدور والمكانة للمرأة في تاريخ هذه المجتمعات، كان دوراً مهمشاً في أغلب الأوقات، وهو الذي يدفعنا هنا، لطرح بعض التساؤلات المهمة؛ عن مكانة الحداثة الاجتماعية ومشاريع النهضة، في ظل الانحياز إلى الدور التقليدي للمرأة، رغم حضورها الواضح والناجح في الحياة العامة، والتي تعكسه المجالات المهنية المختلفة.
الصورة التي نعرفها اليوم عن المرأة في هذه المجتمعات، سوف ننصفها بشكلٍ أكبر عندما نتطلع إلى مراحل التطوّر التدريجي لمكانتها في حياتنا، أي من خلال المراحل التاريخية في الحياة الخليجية؛ وأيضاً من خلال الأبعاد الاقتصادية ومتطلبات المدنية، التي كانت تحمل، بالتأكيد، دوراً بارزاً في سعي هذه المجتمعات نحو القيم العصرية، والتي ربما بدأت فعلياً في مرحلة السبعينات من القرن الماضي.
الحركات النسائية في المجتمعات الخليجية، هي التعبير الأوضح عن الوعي السياسي المتنامي، في المراحل الزمنية المختلفة، والذي تطوّر على مدى الفصول والمراحل، من أجل بلورة الأهداف المنشودة من قبل المرأة؛ التي يعكسها تحقيق الذات واستقلال الشخصية والقرار، وأيضاً التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية. والطموح الأخير، يكون من خلال اعتبارات الكفاءة والمهنية، التي لا تعترف بالتمييز بين الرجل والمرأة؛ ولكن هذا التمييز يعترف به، دائماً، الفكر التقليدي الكامن في التربية والثقافة العامة، والذي يصل غالباً إلى الإدارة والسياسة.
الشخصيات الرئيسية في هذا المنتدى، تناولت قضايا المرأة وتحدياتها، وفقاً للمراحل التاريخية، التي وصلت لها المرأة في مختلف البلدان الخليجية. الورقة الأولى، والتي قدمتها الباحثة البحرينية فوزية مطر، كانت هي الأكثر حصاداً، لثراء التجربة السياسية والثقافية في البحرين، قياساً بالتجارب الخليجية الأخرى. السرد التاريخي والتحليل الاجتماعي، كان رصيناً جداً، لتوثيق الجهود التي بذلتها الحركة النسائية في البحرين، منذ منتصف القرن الماضي، وصولاً إلى مطلع الألفية الثالثة؛ والتي تصفها الباحثة، ومن خلال المتغيرات الايجابية، بأنها من أهم المحطات في نهوض المرأة البحرينية.
الورقة الثانية، والتي قدمتها الدكتورة شوق المطيري، تحمل أيضاً الكثير من الوضوح والمتابعة، للحركة النسائية الكويتية وطموحات المرأة هناك؛ والتي بدورها قد أضاءت على صورة الحياة الاجتماعية والثقافية في هذا البلد الخليجي. العادات والأعراف، والموروثات التقليدية، هي من أكبر الصعوبات التي تواجهها المرأة الكويتية؛ وصورة الحداثة الظاهرية والبذخ الاقتصادي، لم تستطع إخفاء حقائق التراجع الكبير لمكانة المرأة وشخصيتها في المجتمع الكويتي. وبالرغم من أقدمية التجربة البرلمانية والسياسية في الكويت، إلا أن مكانة المرأة، قد بقيت بعيدةً عن التقدّم، فالوعي الثقافي والاجتماعي لقضايا المرأة وطموحاتها، من خلال تحقيق الذات وبناء الشخصية؛ هو المحرك الأساسي لنيل الأهداف المنشودة، من قبل الحركات النسائية، المعنية بطموحات المرأة الكويتية.
أما الورقة الثالثة، فقد قدمتها الباحثة أمل السعيدي من سلطنة عُمان، عن الحركات النسائية المعاصرة؛ ويمكننا القول، عن التعبير الأخير، أنه من النتائج الايجابية لوسائل التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها الناشطون والمهتمون بمكانة المرأة وطموحاتها. إن مكانة المرأة في هذا البلد الخليجي العزيز، والذي نعرفه دائماً بالتسامح، يبدو أنها أكثر صعوبة وتراجع مما نظن. مكانة الذات والشخصية، الاستقلال في القرار، جميع تلك الأمور، هي بعيدةٌ اليوم عن حياة المرأة العُمانية، والتي تسعى اليوم لإيصالها والمطالبة بها، من أجل بناء مستقبلٍ أفضل؛ والدور غير التقليدي التي تقوم به الشخصيات النسوية في هذه المرحلة، سيكون له التأثير الهادف في المستقبل لمكانة المرأة في هذه المجتمعات، من خلال قيم التقدّم والمساواة.
صاحبة الورقة الرابعة في هذا المنتدى أخذتنا عميقاً نحو سرديات الكتابة الأدبية عند الحركات النسائية، من خلال التعبير والرمزية بمكانة الجسد؛ ذلك الذي ينتمي لطبيعة المرأة وكيانها في هذه الحياة. هذا ما أفصحت عنه الباحثة الإماراتية صالحة عبيد في دلالات الجسد الأنثوي ودوره الرمزي الواضح، في تجسيد طموحات وتحديات المرأة. إن إرادة المرأة واستقلاليتها، وأيضاً مكانة الجسد لديها؛ هي نوعٌ من أنواع الهوية الوجودية بالنسبة لها. هي مساحةٌ طبيعيةٌ قد أختارتها الكتابة النسائية، لإيصال صوتها وتحقيق ذاتها.
الكتابة النسوية هي المساحة الطبيعية للأدب العصري، الذي يبوح بتحديات وطموحات المرأة، النصف الآخر والنصف المنسي في مجتمعاتنا. ودلالات الجسد الأنثوي عند المرأة، هو من أوضح الأمور للتعبير عن وجودها، لما يحمله من معاني التكامل مع النصف الآخر. إن مكانة الجسد عند الأقلام النسائية، هي الأداة الأنثوية الأكثر حساسية، من أجل إيصال طموحات الذات المنسية؛ من قبل المفاهيم التقليدية، الموجودة لدى ثقافة الرجل في المجتمعات الخليجية.
التحديات التي تواجهها المرأة، من خلال الموروث الثقافي والأعراف الاجتماعية، يجعلها اليوم أكثر وعياً ومسؤولية، بمشاريع العمل المستقبلية، والتي من الطبيعي أن تحمل الكثير من برامج التقدير والإنصاف، لمكانتها وشخصيتها. إن المرحلة التي نعيشها اليوم والتي تداخلت فيها الكثير من المتطلبات والتحوّلات، تتساءل دائماً عن الموقف الذي نُريد أن ننتمي إليه في هذه الحياة، من خلال أسئلة الهوية والحداثة. هذه الأسئلة، التي لم تتوقف يوماً، عن موقف الهروب والمهادنة، على مكانة الفرد ومسارات تحقيق الذات، للإنسان في هذه المجتمعات.
الرقيب الذاتي والرقيب الاجتماعي، هو من أبلغ التعبيرات التي وصفتها كاتبة هذه الورقة، والذي يتمثل من خلال التحدي الداخلي والتحدي الخارجي، في حياة المرأة العصرية. هذه التحديات، هي مساحات العمل الحقيقية التي تواجهها المرأة اليوم، خلال مسيرة النهوض وتحقيق الذات، بمكانتها وشخصيتها، في المجتمعات الخليجية.
المنتدى السنوي الذي يقيمه المنبر التقدمي في كل عام، أصبح اليوم، ومن خلال مركزية المواضيع وجودتها؛ رمزاً للنقاش الفكري والثقافي الذي يساهم بنهوض الوعي الاجتماعي، لدى النخب والفئات الاجتماعية المختلفة. الجهود الكبيرة المبذولة، من قبل الجهة الادارية المنظمة، تستحقُّ منا الكثير من التقدير والوفاء؛ وإن دور المرأة لم يكن بعيداً عن القيادة والنجاح في هذا المنتدى، والتي ساهمت به الأستاذة دينا الأمير مع فريق عملها، الذين كانواً مثالاً رائعاً للتعاون والإنجاز.