إقرار بالقلق

0
54

كانت تثير سخريتي، مفردات مثل “قلق”، “أرق”، “اكتئاب” ..


طالما أضحكتني تهكُّمًا واستخفافا بأولئك (المساكين)، الذين يتكئون على مثل هذه المفردات، أجدها ترفاً لفظياً، ولعلهم يتظاهرون بالقلق فيتمكن الحزن منهم، إمّا لفرط الدلال أو هشاشة الوعي ونعومة الشخصية (بزيادة حبتين).

كان ذلك عندما كُنتُ أظنني صلبا وحرًّا، محتشدًا بالقوة بعد أن صقلتني النوائب والشدائد،
استصغر كل ما ليس عظيم وجلل من الأمور، أراها مجرد صغائر وتوافه في عيني، لم أكن أعلم أنَّها رماد غير مرئي، كان يُعبئ فراغات روحي ويردمها، ويغذي الترسبات التي سيرّويها الدمع لاحقًا.
ولم أكن أعلم ان المساحات النقية في داخلي سوف تتضاءل، حتى يتعذّر عليَّ استنشاق هواء نقيّ، يجدد خلايا الروح  التي ما عادت تتحمّل خيانة مساماتها، والدماغ المكتنز بالهُلام وبعض الأنسجة المتليّفة، لأكتشف أن الاستنشاق يحتاج إلى سلام داخلي غادرني ذات يوم بعيد، وأن وفرة الأوكسجين أعجزُ من أن تمكنني من التنفس طالما كان ذلك التنفس برئة معطوبة!

وأن عروجي الجسدي للفضاءات لا يخرجني من قعر بئر الكآبة.

باتت الكلمة المضحكة يومًا ما، مبكية الآن.. هي الكلمة ذاتها لكن وقعها اختلف كليًّا، كلمة بتفسيرين.. ويختلف أثرها بحسب المتلقّي..

الكلمة نفسها بمعنيين مختلفين لا يشتركان إلّا في ملء القنوات الدمعية وهي التي تنفجر إمّا من شدة الحزن أو الضحك! -سيّان وشتّان-

المرادفات التي كانت مثار سخريتي تحوّلت إلى شظايا نافذة، أسمعها.. فأتلقاها كمعايرة ارتّدت عليّ ! .

أعترف الآن معتذرًا نادمًا، بأنني أضعفُ من كل الذين الذين اعتبرتهم ظلمًا (مترفين مدللين) حينما اعتبرت نفسي بأنني الحرّ القوي،

لستُ كذلك ولم أكن يومًا، أنا المسكون بالقلق -القلق الذي لم يكن مرئيًّا- لم أعد حرًّا، فليس حرًّا من لا يستطيع السيطرة على ضعف نفسه.

وأقرّ بأن القلق والكآبة ليست مجرد “مفردات” تستدعي السخرية، بل هي أشد “الأمراض” فتكًا بالضعفاء مثلي، ولعمري كل الناس ضعفاء.