استلمت إدارة تحرير مجلة “بانورما الخليج” منتصف عام 1991 عندما انتقلت ملكيتها إلى مؤسسة الأيام، قبلها كانت “بانوراما” التي أسسها ورأس تحريرها إبراهيم بشمي وأدارها عقيل سوار عام 1980 مجلة فنية ثقافية اجتماعية شاملة، وقد عملت فيها خولة مطر والراحل خالد البسام وقاسم حداد وأمين صالح وعدد من المتعاونين.
وبداية لا بدّ من القول إن الانتقال من العمل في صحيفة يومية سياسية تعني بالخبر والتحقيق ومقال الرأي إلى مجلة “شهرية” نسائية هو أشبه بالذهاب إلى رحلة سياحية استرخائية مريحة ومرفهة. هنا وقت مخملي ناعم وهادئ، فلا قلق على البحث عن المادة الصحفية والقصة الخبرية ولا توتر على موعد التسليم “الديد لاين”، ولا نقاشات حادة ومعارك يومية مع “المسموح ” والممنوع والمؤجل والمرًحل والمحذوف و التي اتسمت بها صحافة التسعينات، وحيث يجتهد الصحفيون كل يوم لاقتطاع مساحة حرّة خاصة بهم تعكس حرية الراي والتعبير كما يجدر بها أن تكون
هنا في هذه التجربة سأروي تجربتي الشخصية مع مجلة “بانوراما”، أو بالاحرى صحافة المرأة كما خبرتها وكيف سعيت لإحداث الفرق بينما كانت عليه وما انتهت إليه.
خلال العامين الذي تسلمت فيهما المجلة، كمديرة تحرير، أجريت بعض التغيير في محتوى المجلة لمجاراة عالم المجلات النسائية الرائجة في تلك الفترة، وبالتالي ملء فراغ موجود لدينا وهو خلو المشهد الصحفي البحريني من أي مطبوعات نسائية خالصة، وأملاً في رفع سقف المنافسة وجذب الاعلان النوعي الخاص، وقد حققت المجلة صعوداً نسبياً في ارقام التوزيع والإعلان في تلك السنوات، إلا أه تراجع بعد غزو الكويت.
ولعلّ العامل الأول في النجاح يعود إلى بحرنة المادة والموضوعات الصحفية والأغلفة، واختيار وجوه نسائية بحرينية – ليست جميلة فحسب- بل متميزة وتنطوي على مادة ذات مضمون، بالتالي فهي وجوه نسائية ذات مهن وتخصصات وابداع في شتى المجالات العلمية والأدبية والفنية.
وهكذا وجدتني وقد تحولت إلى “أم العريس” الباحثة عن عروس جميلة لابنها مطلع كل عدد جديد، وكنت أبحث عن هذه الوجوه في حفلات الأعراس وعروض الأزياء ووسط المجتمعات النسائية، ولم يكن الحصول على ذلك سهلاً في مطلع التسعينات حيث المجتمع وقتها لايزال محافظاً قياساً بما هو عليه اليوم.
ولا زلت أذكر العدد الأول حيث اجريت حواراً صحفياً مع الدكتورة ابتهاج العالي استاذة الادارة بجامعة البحرين سابقا، لخصت فيها رسالة الدكتوراة التي أنجزتها حول اسباب غياب المرأة عن عالم الادارة، وكيف أن جذر هذه الإشكالية يعود إلى الفكر اليوناني الأرسطي الجامد.
في عام 1992 اجريت لقاء مع الدكتورة مريم غلوم والدكتور نبيل رزق حول تجربة أطفال الأنابيب الناجحة في البحرين، وتلقينا على أثرها رسالة من سيدة بحرينية تعاني تعثرا وصعوبة في هذه التجربة، والتقط الحكاية مدير وحدة التلقيح الصناعي بمستشفى سلمان فقيه بالمملكة العربية السعودية فطلب معاينة الحالة والتبرع بعلاجها بالمجان وكانت “بانوراما حلقة” الوصل.
وحضرت مع “بانوراما” عدداً من عروض الأزياء العالمية “الهوت كتور ” في البحرين وخارجها، إن عالم الخياطة الراقية المتقنة والمصنعة من القماش العالي الجودة والسعر والتي تحمل اسم أمهر الخياطين، ومشاهدة العارضات عن قرب، وهن يمشين مشية القطة لهو حدث رائع ولا ينسى.
كما حضرت عرضاً لملكات الجمال في العالم أقيم بعيد انبلاج فجر الحرية والتغيير في أعقاب اطلاق سراح نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، وقد أقيم على انغام وعزف الموسيقي العالمي الفرنسي جان ميشيل جار . حفل باذخ أقيم في أحد أكبر وأفخم المنتجعات، لم أشهد مثيلاً له في حياتي الصحفية وكان مقرراً أن يحضره مانديلا وانتظره الجميع طويلا الا أنه لم يظهر، ولاحقاً التقيت مانديلا في البحرين عام 2002.
وتلقيت دعوة من دار أزياء نينا ريتشي لزيارة مصنعها للعطور والأزياء والحقائب في باريس، ورأيت عن قرب شلالات العطور وكيف تعبأ في الزجاجات وتطرز باللمسات اليدوية الفنية الأخيرة، كما شاهدت عرضا لمكوّنات العطور والمواد الغريبة المختلفة الداخلة في تكوينه.
على أن لقائي بالسيدة أنيتا روديك 1942 – 2007 سيدة الأعمال البريطانية التي زارت البحرين في مطلع التسعينات كان من أجمل اللقاءات، فهذه المرأة مؤسسة علامة “ذي بودي شوب” والتي تحولت إلى أكبر مدافعة عن البيئة وحقوق الانسان لاحقاً، تبرعت بكل أرثها من الملايين وأسهم الشركات قبل وفاتها، تاركة أولادها يؤسسون أعمالهم وثرواتهم بأنفسهم،. أنيتا من الشخصيات القلية والنادرة في عالم الأعمال التي تركت أثراً كبيراً في نفسي بسبب بساطتها وعمق تجربتها.
واما التحقيق الصحفي الذي لا ينسى فقد كان حواراً موسعاً وطريفاً مع أطباء وطبيبات الولادة، والذي يروي الحكايات العجيبة من غرف الولادة في مستشفياتنا، وكيف أنجبت تلك السيدة 18 ابنا رافضة اجراء عملية الربط مدعية أن زوجها سوف ينجب ابناء من زوجته الثانية إن هي توقفت عن الانجاب. كتبت فيها مقالا بعنوان “مدّ وجزر” تناولت فيه – ويا للمفارقة – العبودية الجديدة للمرأة والمتمثلة في مجاراة عالم الاستهلاك المظهري وشروطه القاسية وهي مادة معاكسة للإعلان المطلوب جذبه إلى المجلة.
واستكتبت المجلة عدداً من الصحفيين والكتاب المتعاونين: عبد المنعم ابراهيم وعبد الحميد المحادين والدكتورة سماح العجاوي والدكتورة نهى بيومي ومهندسة الديكور يسرى عبدالغفار والدكتورة صفية البحارنة وسيدة الأعمال نائلة الوعري.
عندما تنغمر في مهنة ما وتستقر في أعماقها وتفهمها جيداً، فإنك تجد نفسك أمام خيارين: إما أن تحاول التطوير والابداع فيها انطلاقا مما هي عليه من ثم القفز على حدودها وامكاناتها المؤطرة سلفاً باتجاه رسم منحىى جديد ومختلف، أو تبلغ النهاية موقناً أن ليس بالإمكان افضل مما كان.
اعتقد انني اجتهدت في المبدأ الأول، اما مقدار النجاح فهو ما يقرره الآخرون. إن قصة “بانوراما” كقصة العديد من المجلات التي لم تصمد طويلاً في بلدنا، كما لم تستطع مجاراة مثيلاتها ك”زهرة الخليج” و”سيدتي” اللتين حظيتا بسوق إعلاني وتوزيعي أكبر مما كان لبانوراما.
تركتُ العمل في المجلة عام 1994 واستلم ادارة تحريرها الزميل عبد المنعم إبراهيم ثم الزميل فريد أحمد حسن، وقد توقفت عن الصدور عام 2019، تحولت بعدها إلى مجلة دعاية واعلان تصدر بشكل دوري عن مؤسسة الأيام.