صاحب السعادة المواطن !!

0
19

لا أسعد من المواطن البحرينى، لذلك هو يأتي فى صدارة مؤشر السعادة الدولي الذى يرصد ويصنف الشعوب الأكثر سعادة فى العالم وعلى ذمته جاءت البحرين فى المركز الثالث عربياً والأربعين عالمياً فى عام 2020، والمركز الأول عربياً، و21 عالمياً فى عام 2021، وبالرغم من توجهنا فى العام الحالى 2023 الى المرتبة الثالثة عربياً و42 عالمياً الا أنه يبقينا فى صدارة أسعد الشعوب ..!

لا نعلم إن كان ذلك ذلك التراجع الطفيف سبباً فى هذا التجاهل الواضح لمناسبة اليوم العالمى للسعادة التى تصادف العشرين من مارس، وكأن هناك من استثقل الإشارة اليها هذه المرة، لم نجد من يذكرها او يذّكرنا بها لا من قريب أو من بعيد كما كان الحال فى السنوات السابقة، لا نعلم إن كان ذلك بسبب تراجعنا الطفيف فى المؤشر، أو لأننا لم نعد نشعر بأن للسعادة ذلك ذلك الحضور “الباهي” فى واقعنا فى ظل أوجه معاناة نعيشها تجعلنا ننشغل بهمومنا ومشاكلنا إلى درجة تفقدنا احساسنا بالسعادة التى عرّفت الأمم المتحدة مفهومها العام وهو “مدى رضا الشخص عن حياته” من خلال أطر وسياسات عامة للدول فى مجالات التنمية المستدامة، والرفاهية المادية والاجتماعية، والقضاء على الفقر، وسلامة الفرد والبيئة، وتوفير الرفاهية للشعوب ” ..!

للإحاطة والعلم أولاً، وحتى يبنى على الشيْ مقتضاه يمكن التذكير بالمعايير التى اعتمد عليها فى تصنيف الشعوب الأكثر سعادة وهى: الناتج المحلي الإجمالى للفرد، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر المتوقع الصحي، والحرية فى اتخاد القرارات الخاصة، ومستويات الفساد، كما يمكن التذكير بالمقترحات التى تبنتها الأمم المتحدة لتحقيق سعادة الناس التى وجد بأنها تتمثل فى مستوى الشرعية للأنظمة القائمة، والقضاء على الفساد، والمساواة القانونية لجميع قطاعات المجتمع، والقضاء على كل أشكال الفساد، والتعليم المجاني، وحيوية المجتمع المدني، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق معادلة فرص الرفاه الاقتصادي لجميع المواطنين .

وللإحاطة والعلم ثانياً، مناسبة اليوم العالمى للسعادة جاءت بمبادرة من بلد هو الأول فى العالم فى اعتماده لمؤشر السعادة الوطنية، ويعترف بسيادة السعادة على الدخل القومي وما يحقق إسعاد مواطنيه منذ اوائل السبعينات، واعتبر شعبها المكون من 750 الف مواطن من أسعد الشعوب، والسبب هو السياسات الحكومية المبتكرة التى تعتمد على قياس مكونات السعادة من خلال الحكم الرشيد، ومستوى الصحة النفسية والبدنية، والتعليم، وحيوية المجتمع، وحماية الأرض والمحميات الطبيعية بما يخدم أهداف التنمية المستدامة، مع ملاحظة أن هذه التنمية لا ترتبط فقط بالمؤشرات الاقتصادية بل يضاف إليها الفلسفة الشعبية القائمة على التفكير فى الموت، وهى الفلسفة التى قالت عنها ليندا كينغ مؤلفة كتاب “دليل ميداني للوصول إلى السعادة” تدفع الى اغتنام كل فرصة لتحقيق الرضا عن الذات والعنفوان ومن ثم السعادة، هذا هو حال
” مملكة بوتان” التى تقع فى الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا.

 

وفى ضوء ما يعلمه الجميع من أن مناسبة اليوم العالمى للسعادة جاءت هذا العام فى ظروف وأوضاع مختلفة على كل الصعد عصفت بالعديد من الدول، وهى باتجاه ان تعصف بدول اخرى، زلازل، مؤامرات، فقر، منظومات فساد، تحديات اقتصادية وبيئية، اختلالات وتحولات اجتماعية وسكانية، وهموم مجتمعية، ومساس بحقوق الانسان، بطالة، ومشاكل وتحديات اخرى تلوح فى الأفق، ومعادلات وحسابات وتعقيدات وتحالفات ومتغيرات جديدة تتشكل واخرى تلوح فى الأفق وكل هذا الذى يجرى يدخلنا فى عالم جديد مفتوح على ما لانعرف ..!
فى ضوء ذلك ووسط الكثير من الهواجس ومسببات القلق لازلنا نجد ولله الحمد من يضع شعب البحرين فى صدارة أسعد شعوب العالم، أليس هذا ما اكده طيلة سنوات مضت المؤشر العالمى للسعادة ولا زال يضع البحرين فى الصدارة، فى المركز الثالث عربيا والاربعين عالمياً فى عام 2020، والمركز الأول عربياً و21 عالميا فى عام 2021، وفى المرتبة الثالثة عربياً و42 عالمياً فى عام 2023، ولا نعلم ما اذا كان ذلك التعليق الساخر لأحدهم فى أحد المواقع الإليكترونية فى محله أم لا، هو يرى أن تلك المراكز المتقدمة لنا فى السعادة لم تأت من فراغ بل هى حصيلة جهود وسياسات ومشاريع صبت فى اتجاه تدبير السعادة دون منّة او ارتهان وجعلها على الدوام غاية قصوى!

وعليه فان المواطن البحرينى السعيد يعيش واقعاً يجعل السعادة حقاً أساسياً من حقوقه، واقعاً يبعده عن الدوران حول مشاكله دون المساس بجوهرها، لا يدور مثل غيره فى بلدان اخرى فى حلقة مفرغة لا تحتمل، و لا يعاني من التوتر والقلق والإحباط او ما يبعث على الضجر، ولا يجد امامه سوى مبادرات تتوالى لتجعله سعيداً بأكبر قدر من الحكمة والشجاعة والارادة، كما انه وفوق كل شئ محظوظ بوجود طاقم من المسؤولين يحملون رؤية ووضوحاً للمستقبل بكل تحدياته وأولوياته ومتطلباته، مسؤولين يعرفون كيف يكونون بعيدين عن تجاذبات المواقع والمصالح الخاصة المتضاربة، لا هم لهم الا سعادة المواطن وراحته وعدم تنغيص حياته، والإنصات الى رغباته، يجندون أنفسهم وأجهزتهم وخبرائهم ومستشاريهم وكل إمكانياتهم لترجمة ما يحقق للمواطن الرخاء والتقدم وتوفير كل مقومات الراحة له .. أبوابهم دائماً مفتوحة لسماع شكاوى الناس، إن أخطأوا اعترفوا بالخطأ، وان قصّروا عالجوا التقصير، وإن اكتشفوا مقصّراً او فاسداً او فساداً قاموا بالواجب، يواجهون حقائق الواقع بكثير من الجرأة والموضوعية، ويعيدون حساباتهم على أساسها، لا يعيدون انتاج الماضي، ولا ينتظرون أوامر او توجيهات من فوق حتى يقوموا بواجباتهم، ناجحون بامتياز فى تحمل مسؤولياتهم، ولم يتبعوا ساسة ضخ تصريحات وأقوال وبيانات تقول شئ والواقع شئ آخر، او بوعود ومشاريع لاتتحقق ..!!
يضاف إلى ذلك أن المواطن البحرينى محظوظ حين يجد أن كل الأطراف والقوى ومكوّنات المجتمع يعملون على الخيار الوطنى الديمقراطي البعيد على أن يكون شكلاً أو هبة أو منحة من أحد، بل الخيار الذى يعي الجميع على وعي بحقوقهم الأساسية التى لاغنى عنها  حقوق دائمة ومستمرة، وقواعد وتقاليد، تعنى الجميع وتطبق على الجميع دون تمييز، كما هى ممارسة يومية فى التعامل تتناول جميع مناحي الحياة، بدءاً من أصغر خلية، وحتى قمة السلطة، من أبسط القضايا حتى أكبرها وأخطرها، الخيار الذى يعنى ضمن ما يعنيه أن المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات، وأن السعادة من اهم حقوق المواطنة ، معنى وهدف وغاية .

والمواطن البحرينى محظوظ لانه لم يجد باطل يعطل الحق بقوته وحق لايجد من يحميه ، كما لم يجد امامه صنّاع أوهام يطلقون العنان للشعارات ويخلقون تضخماً فى أقوال تتردد على مسامعنا وكأن هذه الأقوال هى الفعل، كما لم يجد من يرتكب الحماقات بذريعة المصلحة العامة، ولا من لا حدود للقسوة عندهم فى نفي الآخر، كما لم يجد يوماً اي نوع من انواع خطابات الكراهية من اي منبر من منابر الرأي ممن تتنافس على الرداءة فى المعنى والاسلوب والهدف، كما لا يجد فى مناخات هذا الوطن وجوداً لنفس طائفي او مذهبي، ولا لمستثمرين من نوع آخر كل همهم أن تنتصر الطائفية وتتفوق المذهبية وتتراجع المواطنية فى سبيل مصالح مكاسب من أي نوع.

كما ان هذا المواطن محظوظ بوجود نواب لا هم لهم الا رفعة العمل البرلماني شأناً ومقاماً، نواب يحاسبون ويراقبون ويتصدون بكل جرأة وثبات لقضايا وملفات جوهرية مثل الفساد، البطالة، التجنيس، المتغيرات فى التركيبة السكانية، أوضاع المتقاعدين، الوضع الاقتصادى، ويمارسون دورهم الرقابي والتشريعي على اكمل وجه كفريق واحد، متجانس لا يتردد او يتأخر أو يراوغ فى التعاطى الأمثل مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، كما لم يجد نواباً وهم فى حالة ركود غير فاعلة، كما لم يجد نواباً يظهرون وكأنهم ناطقين رسميين بإسم الحكومة وكانهم يمثلونها اكثر من تمثيلهم للشعب، أو نواباً يتكالبون على اقتراحات شعبوية لا يؤخذ بها، او يصدرون تصريحات صحفية لا يقولون فيها شيئاً مفيداً، أو نواب لا يُعرف عنهم إلا الصمت المطبق ايماناً بلغة الصمت ويعتبرونها أرقى وسيلة للرد على كثير من الكلام، ومواقفهم دوماً معتبرة يشهد لها ويشيد بها الجميع، الحمد لله انه لم يمر على المواطن اي من هذه النوعية من النواب!

 والمواطن البحرينى محظوظ من كثرة النشطاء الذين نجد لهم حضور فى كل شأن ومجال وميدان، ناشط حقوقى، ناشط سياسي، وناشط اجتماعى، وتارة بصفة مفكر أو خبير استراتيجي او محلل سياسي …الخ، صفات تسبق اسماؤهم، لم يفعلوا ذلك رغماً عن أنوفنا، بل فعلوا ذلك بكفاءتهم، بقدراتهم، بتفاعلهم مع مشكلات الوطن، بثباتهم على قناعات، ولم يجروا وراء مآرب دفينة، ولم يركب أي منهم بعض الأحداث والوقائع سعياً وراء مصالح أو حسابات من يحركون او يتحركون خلف الستار، لم تحركهم انتهازية أو وصولية، لم يتاجروا بشعائر التغيير والوطنية، لم يمارسوا الكذب، والدجل، والتجنى، وتزييف الحقائق، لم يسعوا الى اي حماقات، أو تأجيج الفتن، ولم تنحدر عندهم الممارسات السياسية الى درك مخجل، ولم يحاولوا أن يسوقوا الناس إلى متاهات التشرذم والاحتقان، احترموا الاختلاف وناضلوا من أجل حرية التعبير، ولم يكونوا يوماً ممن يعتقدون ان حياتنا بدأت بهم ومعهم، ولم ينخرطوا فى ثقافة البطانة والحاشية، الالتزام الوطنى عندهم فوق كل شئ، وحاضراً وعلى الدوام!

والمواطن البحرينى محظوظ و سعيد لأنه لا يرى فى بلاده ما يحدث فى بلدان أخرى، بلدان لا تسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وكل شئ عندها على أحسن ما يرام، وتغرق فى الأمور الصغيرة وتوافه الأشياء ولا تحاول الاقتراب من الأشياء الجوهرية لأنها مع السهل والسريع، والمشاكل التى تطرح او تفرض نفسها عندهم يتم التصدي لها بسطحية او لا تدعوا الى الاهتمام بها كما يجب، أو فى أحسن الأحوال تبحث من خلال مأدبة غذاء او عشاء او حفلة كوكتيل ، بلدان اخذتها المظاهر حتى ضعفت لديها الرؤية وضاعت فى متاهات لا يعلم معها احد أين البداية وأين النهاية، وباتت تواجه انسداداً متلفاً للمستقبل.

والمواطن البحرينى محظوظ لأنه لا يجد أمامه من يتحملون بصبر ومشقة عناء العيش وضنك الحياة، او اناس لا يصل اليهم قوتهم الى بيوتهم الا بعد ان يختلط بالعرق والجهد الشاق، فلا بطالة، او عمالة وطنية برواتب متدنية، ولا خريجين واصحاب تخصصات عاطلين، ولا آمال تنكسر، ولا طموحات مهددة بالسقوط ، ولا صرخات تذهب سدى، وكأنهم يعيشون الهواجس فى زمن اللامسؤولية، ولم يجد كما حدث فى بلدان اخرى عمالاً فى يوم عيدهم العالمى يرفعون شعار “الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء” ، وشعار “الفساد أساس الملك” كما حدث فى لبنان !

والمواطن البحرينى محظوظ جداً لأنه لا يعيش كما يعيش غيره فى تلك البلدان وسط أصحاب سعادة أقلية واصحاب تعاسة أكثرية، و لايعيش وسط تجار سياسة، ولا تجار دين، ولا تجار فكر ومبادئ، ولا يعيش وسط أكاذيب او يتحرك ضمن فبركات يريد لها البعض أن تسود، كما ولله الحمد والمنة لا يعيش أو يتعايش مع منطق الأرجوحة الذى يجعل كل السبل مقفلة وكأنها وصلت الى تيه لا يظهر عليه أفق، ولا يجد تشوهات هنا او هناك تزحف عليه او مخاطر تفترس القيم والمبادئ والأوطان ، حيناً بلباس الطائفة والمذهب ، وحيناً باسم المصلحة الوطنية، وحيناً بذريعة الاصلاح وهلمجرا، كما انه محظوظ لانه بمنأى من وجود ظواهر صوتية ضررها اكثر من نفعها، ومحظوظ لأنه لا يجد من يرتكبون الفساد ومن يقودون إلى الخيبات والانتكاسات وهم يساءلون أو يحاسبون أو يزدادون ثباتاً فى مواقعهم أو يقفزون الى مناصب أعلى، كما لا يجد هذا المواطن مسؤولين يعتبرون من ينتقدهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم وأحياناً اعداءاً يجب إزاحتهم ..!

وعليه فإن المواطن بعيداً عن أية تأويلات هو حقاً وفعلاً صاحب السعادة بأكثر الصيغ صدقاً وابداعاً، وطالما ان مؤشر السعادة العالمى يؤكد على الحضور الباهر للسعادة فى واقعنا فإنه يتوجب على مواطن أن يكون مهيأ كفاية للتمرس بما يحقق له مزيداً من السعادة، وأن يحرص على امتلاك الكفاءة التى تجعله قادرًا على مواجهة من يريد أن ينغص علينا سعادتنا أو يجعلنا تعايشنا مع السعادة تعايش هش مشوب بالشك والحذر، واخيراً نسأل: هل هناك من يشك بأننا فى صدارة الشعوب الأكثر سعادة …؟!