الوحدة في التّنوع

0
28

على هذا الكوكب مقادير هائلة من التنوع في الأقوام الثقافات والديانات التي عليها أن تقتسم العيش المشترك فوقه، واقتسام ثرواته، والتصرف بمسؤولية ليس فقط تجاه الحاضر، وإنما تجاه المستقبل أيضاً، لأن للأجيال القادمة الحق نفسه في العيش عليه والاستمتاع بالحياة فيه. لكن هذا الحق لم يصن أبداً. الأقوياء قهروا الضعفاء وأبادوهم، وشهد العالم حربين عالميتين أودتا بملايين البشر، هذا خلاف ضحايا الحروب الصغيرة والمجاعات والكوارث.

هل ثمة أمل بأن تبلغ البشرية مرحلة الرشد التي تجعلها تكف عن ثقافة الغابة التي ما زالت متأصلة في سلوكها الذي لم يتأنسن بعد كفاية رغم التطور المديد الذي قطعته، والشأو الحضاري الذي بلغته، والتقدم المهول في المعارف والعلوم والتقنيات ووسائل الاتصال، التي توظف هي ذاتها، في الكثير من الحالات، لإبقاء البشر ضمن شريعة الغاب، حتى لو جرى تقنين ذلك بنظم تشريعية، والتمويه عليه بما في الجُعب من “مكياجات”، متعددة الاستخدامات، جل ما تفعله إخفاء التشوهات لا التخلص منها.

“نحن ما فقدناه”! – هكذا أجابت سيدة أجنبية عن سؤال يقول: “مَن نحن”، وُجّه لأشخاص من ثقافات ولغات مختلفة، من نحو عشرين ثقافة او لغة، وأُريد بهذا السؤال اختبار الحساسيات الثقافية والقومية وربما الدينية أيضاً تجاه الموضوع الذي جرى التعارف على تسميته بـ “الهوية”. كان جواب هذه المرأة هو الأكثر اختصاراً وتكثيفاً بين أجوبة المشاركين في الإجابة. امرأة أخرى أشارت إلى أن للأمريكيين بالذات مشكلة مع هويتهم، لأنهم بالدرجة الأولى سليلو مهاجرين قتلوا معظم السكان الأصليين، والحال، بما أنهم فقدوا معنى الوجود المرتبط بجذورهم في بلد أجدادهم، فإنهم يسعون إلى التماهي بما يملكونه مادياً.

على أن السؤال: “من نحنُ”، ليس سوى واحد من مجموعة أسئلة تتصل بمفاهيم حيوية كالعالم والبيئة والتوازن والقيم والمسؤولية والتضامن وسواها، جرى عرضها على هؤلاء بحثاً عن أجوبة مختلفة أو متشابهة، في إطار سعي فريق أطلق على نفسه مسمى “التحالف” بهدف التفتيش عن مشتركات ثقافية بين الشعوب، وإن أمكن خلق هذه المشتركات تحت السؤال المفصلي التالي: “هل يمكن قول ثقافة في لغة ثقافة أخرى”، أي هل يمكن للغة غير لغتنا الأم أن تحمل الشحنة الدلالية للفكرة التي نقولها في لغتنا، هل نكون على يقين من أن الآخر يتلقى في لغته ما أردنا قوله في لغتنا إذا ترجمنا له ما نقول، أم أن المفردات نفسها تحمل دلالات مختلفة وربما متناقضة بين لغة وأخرى، من أجل التأمل في طريقة تناول مسألة الاختلافات بين الحضارات، لا بين الثقافات الفرعية داخل الحضارة الواحدة، لبلوغ الفكرة الأثيرة القائلة إن البشرية تواجه الأسئلة الكبرى ذاتها، ولكن بتنويعات مختلفة، مما يقودنا، مرة أخرى، إلى الفكرة الأثيرة القائلة أن الوحدة في التنوع، وإن احترام تعدد وتنوع الثقافات هو طريق وحدة البشر، أما قهر الثقافات لتسييد ثقافة واحدة فهو ما تبرهن التجارب على أنه طريق مُدمّر .