حريّة الصحافة في بلاد العرب

0
60

 حرية الصحافة هي امتداد للحريات السياسية والثقافية في المجتمع. وبما أن الحريات السياسية والثقافية في بلاد العرب محدودة، فهذا يعني أن الأنظمة العربية تريد صحفيين مؤيديين ومدافعين عما يتخذ من قرارات مها كانت. وبمجرد ما يتخطى حدود التأييد ويبدأ في الانتقاد والمعارضة يتعرض لمشكلات ومضايقات من طرف أجهزة السلطة. حيث أن حال الصحافة العربية اليوم من حيث مستوى الحريات ليس جيداً في معظم الوطن العربي. وقد أظهر  تقرير أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” حول مؤشر حرية الصحافة لعام 2023، والذي يقيس أوضاع الصحافة في 180 دولة في العالم، تراجعاً ملحوظاً لحرية الصحافة في الدول العربية، حيث جاء أغلبها في مراكز متأخرة بذيل التصنيف، وهو ما يؤكد الكراهية والعداء لحرية الصحافة ولكل الأصوات الصحفية الحرة.

أصبحت فوبيا وسائل الإعلام واضحة جداً، لدرجة أن الصحفيين يواجهون المضايقات ويتعرضون للسجن التعسفي. فلم يعد ينظر للإعلام باعتباره جزءاً من الدعامة الأساسية للديموقراطية، بل خصما يظهرون نفورهم منه علنا. ويمكن القول في بلاد العرب تبدو مأساة الصحفيين أكبر منها في أي من دول العالم، إذ أن المهنة أصبحت في أغلب الدول العربية جالبة لكل المتاعب من سجن إلى اعتقال وصولا في بعض الأحيان إلى القتل. وتتنوع مصادر الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون في العالم العربي بين ضغوط حكومية من خلال سعي السلطات الحكومية إلى سن قوانين تقيد حريتهم. تراجع حرية الصحافة في معظم الدول العربية التي تعادي حرية التعبير وتصادر الرأي وتفرض عليه قيوداً غير مبررة لا تتناسب مع التطورات التاريخية التي يشهدها العالم في عصر عولمة وسائل الإعلام في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات.

 حقاً، أن حماية قيم المحاسبة والمساءلة ورقابة النخب الحاكمة جزء محوري من عمل مؤسسات الدولة الحديثة، إلا إن حماية هذه القيم لا يقتصر على أجهزة الرقابة المالية والإدارية والبرلمانية فقط، بل إن وسائل الإعلام التي تتمتع بقدر عقلاني من حرية التعبير يمكن أن تصبح بالفعل وسيلة رئيسية للشفافية ولمحاسبة المسؤولين أمام الجماهير. فالصحافة كما تراها المؤسسات الصحفية والإعلامية  الديموقراطية وسيط حيوي بين المجتمع والنظام السياسي يضمن التواصل البناء بينهما ويؤمن درجة من الشفافية.

 ونظرا لهذا الدور المميز للصحافة والإعلام يطلق عليها البعض “السلطة الرابعة “. إن حرية الصحافة، كما يراها البعض، تتعرض للهجوم في كل ركن من أركان العالم، وأن الحقيقة مهددة بالمعلومات المضللة، وخطاب الكراهية وجميعهما يسعى جاهداً إلى طمس الفرق بين الحقيقة والوهم، وبين العلم والمعرفة والمؤامرة، لذا؛ يجب أن يسمع لصوت الصحفي الحر الذي يتمتع بالمهنية والوطنية، ووضع نهاية للأكاذيب والمعلومات المضللة، ووقف إستهداف الحقيقة.

تلعب الصحافة دوراً مهماً في الحياة السياسية والدبلوماسية والثقافية. إذ أضحى ما تتناوله الصحف المتنوعة من معلومات حول الشعوب والأمم الآخرى، مصدر جذب هام للباحثين والساسة ورجال الفكر، فضلاً عن إسهامها في تشكيل الرأي العام العالمي حول القضايا الدولية الراهنة. يقول الأستاذ الجامعي الجزائري زنوجي محمد الأمين: تُعد حرية الصحافة أو حرية وسائل الاتصال هي المبدأ الذي يشير إلى وجوب مراعاة الحق في الممارسة الحرة للاتصال والتعبير عن الرأي من خلال كافة وسائل الإعلام المتاحة، المطبوع منها والإلكتروني، وعلى وجه الخصوص المواد المنشورة. تتضمن هذه الحرية غياب التدخل المفرط للدول، وحمايتها بالدستور والقانون. كما تعتبر حرية الصحافة مؤشراً هاماً لمستوى الأداء الديمقراطي والحقوق والحريات في دول العالم، بحيث تلعب الصحافة دوراً مهماً في توفير المعلومات واتاحتها أمام الشعوب والأفراد. الأمر الذي يساهم في تعزيز الشفافية بين الحكام والمحكومين وإشراك المجتمعات في الرقابة على أداء الحكومات، والدفاع عن الحقوق والحريات، ومكافحة الفساد. كما تعتبر حرية الصحافة من الحريات العامة التي تتسع وتضيق في كل مجتمع، بحسب ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث أنها تعتبر من أهم صور حرية الرأي والتعبير، وتؤكد على حق المواطن في الحصول على المعلومات من مصادرها، وحريته في تداولها بكل الأساليب المشروعة والممكنة.

تبقى في النهاية قضية على جانب كبير من الأهمية تستدعي وقفة، وهي كما يقول أحد الباحثين المتخصصين في الشأن الإعلامي، كلما أثير موضوع حرية الصحافة اختزل الأمر في موقف السلطة السياسية من هذه المسألة، ويقع التركيز على الاجراءات التي من المفترض أن تتخذها السلطة لتأمين حرية الصحافة، ويتم بذلك إغفال حقيقتين في غاية الأهمية، أولهما إن السلطة السياسية مهما كانت طبيعتها تفضل الأصوات المؤيدة والمتناغمة مع سياستها، وثانيتهما أن الحرية إذا كانت منحة وهبة يمكن أن تزول بنفس الطريقة التي جاءت بها فهي دوما معرضة للزوال والتراجع عنها إذا أصبحت تشكل خطراً على شرعية السلطة وعلى مصداقيتها، وبالتالي فإن حرية الصحافة مثل  الحرية في المجالات الأخرى يجب أن تكون نابعة من المجتمع، أولاً بتحققها في مؤسساته المدنية، وثانيا بفرضها سلمياً على السلطة السياسية.

حرية الصحافة تتوسع وتتقلص بحسب الجهد الذي تبذله والإصرار الذي تبديه القوى الحية في المجتمع، فإذا لم تكن عندنا في الوطن العربي صحافة حرة فليس بسبب أنظمتنا السياسية فحسب، ولكن لأن إنتهاك حرية الصحافة لم يصبح أمراً مستهجناً ومرفوضاً، الصحافة في عمومها ملك للرأسمال المرتبط بأجهزة الدولة، والصحيفة التى لا تسعى إلى تجنب غضب السلطة لا تستطيع أن تستمر لأنها لاتجد المجتمع الذين يحميها، فحرية الصحافة لا تتمثل في الضمانات الشكلية ولكن بالحس العام الذي تعبر عنه مؤسسات المجتمع المدني تجاه كل عملية تضيق على حرية التعبير، فلو كانت السلطة السياسية متأكدة من أن ما تتخذه من إجراءات تعسفية ضد الصحافة وضد كل أشكال التعبير ستجد رفضاً شديداً من جهة واسعة تضم مثقفين ومفكرين وكل ذوي الشأن والنفوذ فلن تجرؤ على ذلك.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي