سؤال الحب

0
15

ما الحُب؟ سؤال ما زال يطرحه الفلاسفة والمبدعون عبر القرون، فلعله بلا جواب، أو لعل لكل عصر جوابه الذي لا يكون شافيًا لعصور تالية فيعاودون طرحه. الكاتب العراقي علي حسين يرصد الكثير من تلك الأجوبة في كتابه “سؤال الحب من تولستوي إلى أينشتاين” الصادر عن دار المدى في عام 2018، عبر 324 صفحة يقدم فيها ثلاثين فصلا يحكي كل منهم قصة عاشق، ساردًا تفاصيل القصة المستقاة من سيرته ومن كتبه، ومن بين ثناياها يستخرج مفهوم صاحب الحكاية للحب، ومبينًا أثر تلك العاطفة في حياة المحب وفي إبداعه.


حاول “أوفيد” الذي ظهر قبل أكثر من ألف عام أن يُدرك سر الحب، فتوصل إلى أن الحب ليس مجرد زينة الحياة كما وصفه الفيلسوف أبيقور، بل هو الحياة كلها، إذ ليس هناك حياة كاملة من دون حب ومن دون معاناة الحب الدائمة.


الروائي الإنجليزي “تشارلز ديكنز” وصف الحب لحبيبته كاترين، بأنه يتخذ أشكالاً عدة، لكنها في معظم الحالات مطاردة للفرح وسعي محموم نحو أمل يأتي أو لا يأتي”.

بينما تقول سيمون دي بوفوار في إحداى حواراتها مع حبيبها الفيلسوف الوجودي سارتر: الحب الذي تُريد أن تُبشّر بهِ هو اختلاف، ثم افتراق، ثم التقاء، ثم شكوك، والشك يُحيي العشق. لابد أن يتعذب العاشق وأن يشك وأن يعود إلى محبوبه ليتأكد أنه يحبه حقًا، وهذا خير من أن نستسلم للوهم بأننا نحب.


تُشير سيرة غابريال ماركيز تأثره الشديد بعبارة  للأديب الإنجليزي الشهير شكسبير، مفادها أن “الحب وحده، وبقوته الجبارة يمكنه مجابهة الزمن”. إذ كان شكسبير يتحدث عن قوة الحب تلك القوة التي لا تتغلب عليها أية صراعات وجودية.


وفي كتابه “الطاقة الروحية” يحدد هنري برجسون الحب في أمرين أساسيين، هما: الجاذبية الجنسية، والتوافق الروحي وبدونهما لا يقوم حب. بينما يُقسّم نجيب محفوظ الحب إلى أربعة نماذج “الحب الشهوة، الحب الشوق، الحب الجسدي، الحب الزهو. وهذا التقسيم قريب من التصنيف الذي وضعه الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون الذي كان نجيب محفوظ معجبًا به أشد الإعجاب.


يكتب أريك فروم في كتابه الشهير “فن الحب”، أن “ستندال” أراد في كتبه عن الحب، أن نحب من دون أن نعرف كيف نحب، إنه يقدم لنا عاطفة مُربكة إلى أقصى مدى من خلال رواياته التي دائمًا ما تطرح الحب جانبًا بوصفه شيئًا يحدث لنا بتأثير سلبي ومصادفة، شيئًا نقع في شباكه، يُصيبنا كسهم، وليس ممارسة بارعة نُنميها بمهارة دقيقة كأية حرفة تتطلب تفوقًا إنسانيًا.

ذات مرة، كتب طه حسين إلى زوجته سوزان يقول: “بدونكِ أشعر أني أعمى حقًا. أما وأنا معكِ، فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء، وإني أمتزج  بكل الأشياء التي تُحيط بي”. وعندما رحل هو عن العالم، كتبت هي تقول: “ذراعي لن تُمسك بذراعكَ أبدًا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن”.


من طرائف قصص الحب، أن زوجة أينشتان ميليفيا طبقت سياسة الرقابة الدقيقة والمُحكمة مع زوجها لكي يتوقف عن حكايات غرامهِ. وبينما كان أينشتاين حاضرًا في إحدى محاظرات أصدقائهِ، وبينما كان الصديق يشرح نظريته للحضور، كان أينشتاين يركز بصره على فتاة جميلة مما أثار ضيق صديقه عالم النفس الذي التفت إلى أينشتاين ليقول له: “يا سيدي البروفيسور إذا كنت في حالة حب، فسوف نعتقد أن الحب أهم من نظريات الكمية”. فرد عليه أينشتاين: “يا سيدي أن نظرياتي الكمية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بجمال المرأة”.


تُثبت القصص العديدة التي طرحها علي حسين في كتابهِ الشيق “سؤال الحب” أن الحب لم يكن حالة عَرضية في حياة أدباء وفنانين وفلاسفة كبار، لكنه كان نقطة الدخول إلى عالم من الإبداع، وهروب من الوحدة، للبحث عن ملاذ آمن، يمدنا بالثقة والطمأنينة بأننا لا نواجه العالم بمفردنا.