عنونت مقالي هذا بكلمات الأغنية الراسخة التى كتبها وتغنى بها متألقاً الموسيقي الكبير الراحل الغائب الحاضر دوماً بإنسانيته ومبادئه وصوته وألحانه وأنغامه، سلمان زيمان “بوسلام” له الخلود . ..إن فقدان مثل هؤلاء الأشخاص خسارة كبيرة للوطن والإنسانية. عزاؤنا أن بوسلام وثقّ الكثير من سيرة بوخالد الحافلة التى سردتها العزيزة أم خالد في كتابها القيّم (سيرة مناضل وتاريخ وطن )..
عندما عاد الشهيد هاشم طبيباً خريجاً من جامعة الصداقة في موسكو في 15 يوليو 1982، كنا، يومها، مخطوبين انا وهاشم، وحينها كان بوخالد في المعتقل في الفترة من 1981 – 1986، بعد عودته مباشرة خريجا من موسكو بعد نيله درجة الماجستير في القانون الدولي.
حدثني هاشم بعد ارتباطي به في أغسطس 1982 عن شخصية بوخالد وسيرته النضالية وأسباب اعتقاله، فأفصحت أنني أعرفه قبل أن أراه وكان لي شرف التعرف على أم خالد، حيث كان هاشم يصر على زيارتها وأن نكون قريبين منها والسؤال عنها وعن ابنها خالد ومشاركتها كل مناسباتنا ..كان يحاول إخراجها من ألم غياب أبو خالد في المعتقل، حيث كان هاشم ينطلق من الواجب الحزبي والإنساني المسئول وما يمليه عليه فكره ومبادؤه .
استمر تواصلنا مع أم خالد حتى ولادة ابننا البكر عادل في يناير 1984، واستمرت الزيارات والتواصل حتى جاء ذات يوم سعيدا ومبتهجا لدى سماعه خبر الإفراج عن بوخالد في يونيو 1986، وكنت حاملاً في شهري السادس بابني الثاني، عندما قمنا بزيارة للسلام على بوخالد في المنزل الذى كانا يقطنان به بالمحرق، وكان لي شرف اللقاء والتعرف عن قرب على الشخصية الوطنية المناضلة، فكنت أمام قامة كبيرة كدت أنحني تقديرا واجلالا لبطولته وتضحياته، وأتذكر أنه انزوى مع هاشم في زاويه في حوش المنزل الكبير، وتحدثا طويلاً، وأعتقد أن الحديث دار حول العمل التنظيمي في تلك الفترة، وإطلاع بوخالد على مستجدات المرحلة.
بعدها زارنا بوخالد وأم خالد في شقتنا في مدينة عيسى في ظل الأجواء المتوترة آنذاك، و كانت هي المرة الأخيرة التى يلتقي فيها المناضلان، ومن بعدها وفي شهر يوليو من السنة نفسها، قامت السلطة بحملة اعتقالات واسعة على اثر تصعيد في العمل التنظيمي، مما أدى إلى انقطاع التواصل بين الرفاق في ظل الرقابة الأمنية المشددة، وتحت تأثير ما تمّ انتزاعه من معلومات تحت التعذيب، تمّ في 11 أغسطس اعتقال الدكتور هاشم واستشهاده تحت التعذيب في 18 سبتمبر. تقول أم خالد في كتابها: “لقد هز استشهاد الدكتور هاشم كياننا أحمد وأنا فلكلينا صداقة حميمة مع الدكتور، وبالنسبة لي لايمكن أن أنسى ماحييت مواقف الشهيد د.هاشم معي سنوات إعتقال أحمد في النصف الأول من عقد الثمانينات، لقد كان الشهيد من القلة القليلة التى وقفت بجانبي وآزرتني أيام معاناتي في السنوات الصعبة”.
عندما استشهد هاشم تحت وطأة التعذيب روّع بعض الأصدقاء والرفاق بلوغ القمع التصفيات الجسدية فشعروا بالخوف من المشاركة في جنازة الشهيد، ولكن كان لأبي خالد موقف جريء شجاع، حيث كان وقف عند بوابة مأتم القصاب يستقبل المعزين، وداوم على الحضور حتى نهاية العزاء، في الوقت نفسه كانت أم خالد من أوائل المعزيات وقد امتنعت الكثيرات عن الحضور أو السؤال وتقديم العزاء بالمكالمات الهاتفية حيث الرقابة الأمنية المشددة، واستمر الخوف والجفاء حتى بعد ولادتي بعد استشهاده ب 15 يوما في 3 أكتوبر بإبنه هاشم. ولكن بوخالد من القلائل الذين ظلوا على التواصل بين الحين والآخر للسؤال والإطمئنان على ابني الشهيد هاشم ..منطلقا من انسانيته ومبادئه الوطنيه متمسكاً بها وبما يمليه عليه واجبه الحزبي مخلصاً كعلاقته بالتنظيم الى أن فارق الحياة في 23 يونيو 2023، تاركاً وراءه تاريخاً حافلاً بالتضحيات، ملهماً بالعطاء.