أحمد الشملان… فقيد الوطن والحزب والقوى الوطنية الديمقراطية

0
111

عرفنا عنه، ونحن طلبة ندرس في الخارج بأنه معتقل سياسي منذ عام 1981 بعد عودته إلى الوطن متخرجاً من جامعة الصداقة بين الشعوب (جامعة باتريس لومومبا) وحاصلاً على شهادة الماجستير في القانون الدولي، وأتذكر بأننا قمنا بحملة تضامنية واسعة لإطلاق سراحه في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي  الثاني عشر المقام في موسكو صيف عام 1985، إلى جانب المطالبة بإطلاق سراح المناضل الرفيق الراحل الفنان الموسيقار مجيد مرهون الذي كان محكوماً بالمؤبد، وبقيّة المعتقلين والسجناء السياسيين.

بالرغم من أنني سمعت عنه من قبل وعن مواقفه الشجاعة، والتحوّلات الفكرية والسياسية التي حدثت بشكل واضح بعد هزيمة يونيو/ حزيران في عام 1967، وعمَّت العديد من البلدان العربية التي كانت توجد فيها فروع  لحركة القوميين العرب وبالأخص في المركز الذي كان في بلاد الشام، تلك الإرهاصات الأولي سوف ترسي بفقيدنا  في ميناء “جتوب”  في عام 1972، التي كتب في ذكراها العشرين أغنية (علموني علموني.. جبهة التحرير اسمج …  علموني)، ولحنها وغناها الفنان العراقي التقدمي الراحل جعفر حسن، وإنْ تصرَّف بتغيير بعض الكلمات، لاحقًا، وفي نسخة لاحقة للأغنية، حيث حوَّلها إلى (علموني علموني..  الانتفاضة علموني الانتفاضة … سلم وحرية وأماني علموني …..الخ )، كما كتب كلماتِ أغنية (يا أم بدر رقصي عمرج وصل عشرين) تعبيراً عن فخره بانضمامه لجبهة التحرير الوطني البحرانية، وكانت له مشاركة مع الفنان الموسيقار الراحل الرفيق مجيد مرهون في كتابة بعض كلمات النشيد الشهير، بحرينياً وخليجياً وعربياً: (طريقنا أنت تدري شوك ووعر عسير …موت على جانبيه..لكننا سنسير)، وفي عام 2005  في الذكرى الخمسين ” لجتوب” أضاف الفنان الراحل سلمان زيمان بعض الكلمات على النشيد، لتصبح “طريقنا”، عملاً جماعياً في كتابة الكلمات، للحن الذي وضعه الفنان الموسيقار الراحل الرفيق مجيد مرهون.

 نحن بصدد الحديث عن سيرة فقيد البحرين والمنبر التقدمي والحركة الوطنية الديمقراطية المناضل الكبير المحامي أحمد بن عيسى الشملان (أبي خالد)، الذي توفي صباح يوم الجمعة الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، ولا نستطيع إيجاز سيرته  في سطور، فسيرته النضالية حافلة بالنضال والتضحية والإبداع الثقافي والأدبي، وهي السيرة التي قامت بتدوينها  زوجته المربية الفاضلة الأستاذة فوزية مطر (أم خالد) في كتاب (أحمد الشملان.. سيرة مناضل وتاريخ وطن) في أكثر من ألف صفحة، ولا غنى عن الإطلاع على هذا الكتاب من كل مهتم لا بسيرة المناضل الشملان وحده، وإنما بتاريخ الحركة الوطنية في البحرين.

ومن المحطات الهامة في تاريخ هذا المناضل الشجاع الذي صمد إبَّان فترة الاستعمار البريطاني، أنه كان أحد قادة انتفاضة مارس 1965 المجيدة، اُعتقِل اثرها أكثر من سنتين، وكذلك دوره الوطني  بعد مرحلة الاستقلال الوطني من أجل التحولات الديمقراطية الحقّة والحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، وهو واحد من أصل خمسة من قادة وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية  من المعتقلين الذين كانوا أول من طبق عليهم قانون أمن الدولة في صيف عام 1974، وهم المناضلان الراحلان  أحمد الذوادي ويوسف العجاجي، والنقابي عباس عواجي  وفقيدنا المحامي أحمد الشملان والدكتور عبدالهادي خلف، وقد تناولت العديد من المقالات والأخبار جزءاً من سيرته النضالية بعد وفاته من قِبل شخصيات عديدة، وأصبحت هناك معلومات قيمة عن تاريخه الوطني منذ صباه حتى وفاته .

عرفته شخصياً وبشكل مباشر منذ 35 سنة وتحديداً في عام 1988 بعد عودتي من الخارج إلى الوطن، وفي وقتها كانت تدور الحوارات والمناقشات حول ضرورة كتابة عريضة تطالب بعودة الحياة النيابية في البلاد بعد حل المجلس الوطني في 26 أغسطس من عام 1975، وتطبيق قانون أمن الدولة في البلاد، وتتلخص مطالب العريضتَين النخبوية 1992 والشعبية 1994 في إشاعة الديمقراطية والحريات العامة، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين وإعطاء المرأة حق الانتخاب والترشح، وبمعنى أشمل المشاركة السياسية، كان أبرز المجالس التي تدور فيها تلك الحوارات مجلسا المناضل الوطني الراحل محمد جابر صباح سيادي ومجلس المناضل الوطني علي ربيعة، وهما نائبان سابقان عن  كتلة الشعب اليسارية، وكانت تنظم العديد من الاجتماعات في بيت الرفيق الراحل أحمد الشملان، وفي سنوات لاحقة سوف يكون مجلسه الأسبوعي حافلاً بمناقشة العديد من قضايا الوطن.

أتوقفُ عند هذه الحقبة التاريخية  لنسلطَ الضوءَ عليها لِما تمثله من أهمية  في حياة الشعب البحريني وتحديداً ابنه البار المناضل الشجاع أحمد الشملان، لأنه كان الناطق الرسمي باسم لجنة العريضة الشعبية، وكان الصوت الذي يعبِّر عن المطالب المشروعة لشعبنا في وسائل الإعلام  وتحديداً في إذاعة “بي بي سي”، عندما صمتت أصوات الكثيرين، كان صوته يصدح ليقولَ حقيقةَ ما يجري في بلادنا، على خلفية الأحداث السياسية في عام 1994، ففي أحد اللقاءات  معه قال له المذيع بأن ما يجري ليست مطالب سياسية، بل هي عمل تخريب وإرهاب،  كما يقول هذا وزير الإعلام البحريني أنذاك، ردَّ عليه  فقيد الوطن أبو خالد بأنها مطالب سياسية مشروعة، واللذان سقطا في الأحداث برصاص قوات الأمن  شهيدين، وكان يقصد الشهيد هاني خميس من السنابس، والشهيد هاني الوسطي من جدحفص، حيث استشهِدا في 17 ديسمبر 1994، فكان صوت الحقيقة في  البحرين .وعندما تمَّ اعتقال العديد من الشباب في تلك الفترة كان أبو خالد، بصفته محامياً، مدافعاً عن  العشرات منهم وكان مكتبه مفتوحاً لأهالي المعتقلين، وبعد اعتقاله لمدة ثلاثة أشهر في عام 1996، برَّأَته المحكمة وأُطلِق سراحُه،  وفي ديسمبر من نفس العام أُصيب بجلطة  في القلب، لتليها جلطة أخرى في الدماغ عام  1997، وبالرغم من أنها حرمته من القدرة على الكتابة والكلام، ظلّ بهيبته الوطنية حاضراً في الأنشطة والفعاليات التي ينظمها حزبه، المنبر التقدمي، أو غيره من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ففي نوفمبر من 2002 في المؤتمر العام الأول للمنبر التقدمي تمت تزكيته بالإجماع من قبل  أعضاء المؤتمر رئيساً فخرياً للمنبر التقدمي.

سيظل أبو خالد نبراساً يضيء الدروب لكل المناضلين من أجل الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية في بلادنا  ومنطقتنا وفي البلدان العربية.