لئن كان الفقيد أحمد الشملان واحداً من أبرز المناضلين الوطنيين واليساريين البحرينيين، فإنّه يُعدُّ كذلك مناضلاً وطنياً ويسارياً كويتياً، حيث انتظم في صفوف تنظيمات الحركة الوطنية الكويتية وتولى قيادة بعضها خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، بل هو على نحو أعم واحد من ذلك اللفيف من المناضلين الوطنيين واليساريين الخليجيين العابرين للإقليم ممَنْ شاركوا في معارك النضال الوطني والديمقراطي في أكثر من بلد خليجي وتعرضوا للملاحقة والاعتقال والقمع في بلدانهم وبلدان الإقليم، شأنه في ذلك شأن الشهيد حسن نظام وخليفة خلفان وأحمد حميدان وأحمد الربعي وعبدالرحمن النعيمي.
فقد انتظم أحمد الشملان عندما كان طالباً في “ثانوية الشويخ” بالكويت ضمن صفوف “حزب البعث العربي الاشتراكي” لعدة أشهر في بداية الستينات، ثم انتقل إلى صفوف “حركة القوميين العرب” في الكويت تحت تأثير المدّ الناصري المتنامي وانتظام غالبية الناشطين البحرينيين، من أصدقائه ومعارفه المقيمين في الكويت حينذاك، ضمن تلك الحركة، التي كان د. أحمد الخطيب أحد مؤسسيها في بيروت مع د. جورج حبش ود. وديع حداد وهاني الهندي، وتولى بعدها تأسيس الفرع الكويتي، الذي كان مسؤولاً عن قيادة فروع “حركة القوميين العرب” الأخرى في الخليج والجزيرة العربية، بما فيها البحرين.
وخلال النصف الأول من الستينات عندما كان أحمد الشملان عضواً في الحركة بالكويت، فقد تولى القيام بمسؤوليات تنظيمية ومهام نضالية، وكان مسوولاً عن قيادة إحدى الخلايا التنظيمية للحركة، كما كانت له علاقاته المباشرة سياسياً وتنظيمياً واجتماعياً مع قيادات الحركة ونوابها في مجلس الأمة وأسرة تحرير صحيفة “الطليعة” مثل د. أحمد الخطيب، جاسم القطامي، سامي المنيس، علي الرضوان، د. خالد الوسمي، د. عبدالمالك خلف التميمي، وغيرهم.
وتم تكليفه بإيصال رسائل من قيادة إقليم الكويت في الحركة إلى قيادة الحركة في البحرين.
هذا ناهيك عن علاقات أحمد الشملان الاجتماعية بالمجتمع الكويتي ليس بوصفه طالباً بحرينياً يدرس في الكويت فحسب، وإنما نتيجة وجود أسرة خاله عبداللطيف سعد الشملان وأخيه يوسف الشملان في الكويت واكتسابهما الجنسية الكويتية، بل لقد كان خاله عبداللطيف شخصية اجتماعية مرموقة في الكويت؛ بالإضافة إلى كونه أحد كبار المسؤولين في الدولة الكويتية منذ الأربعينات بداية في سلك التعليم وبعدها في الديوان الأميري ومجلس الوزراء.
وبعد اجتيازه المرحلة الثانوية غاب أحمد الشملان عن الكويت بين العامين ١٩٦٥ و١٩٦٧ عندما انتقل إلى القاهرة للدراسة الجامعية أول الأمر، وبعدها في البحرين فترة مشاركته في انتفاضة ١٩٦٥ واعتقاله وسجنه، ولم يعد إلى الكويت إلا في خريف العام ١٩٦٧ حيث تعرّفت عليه خلال تلك الفترة ، إذ كان يتردد يومياً على صحيفة “الطليعة”، التي كنت أعمل فيها وعلى “نادي الاستقلال الثقافي” الذي كنت أحد أعضائه… ثم غادرنا إلى بغداد للدراسة الجامعية، وكانت له علاقاته الوثيقة مع تنظيم “الحركة الاشتراكية العربية” في العراق، بل مع قيادييها البارزين عبدالإله النصراوي ذي الميل اليساري وهاشم علي محسن رئيس اتحاد عمال العراق حينذاك على الرغم أنه طالب في سنته الجامعية الأولى، وربما يعود ذلك إلى تقدّمه نسبياً في العمر وأقدميته الحزبية في صفوف “حركة القوميين العرب” وسجله النضالي في البحرين خلال انتفاضة ١٩٦٥ وفترة اعتقاله…وعندما عاد إلي الكويت لتمضية العطلة الصيفية في العام ١٩٦٨ توثقت علاقتنا أكثر، ولاحظت حينها فارقاً في انحيازه بشكل أوضح نحو الفكر الماركسي قياساً بما كان عليه قبل سفره إلى العراق.
وفي ذلك الصيف شهدت تنظيمات “حركة القوميين العرب” ليس في الكويت والخليج فحسب، وإنما في المشرق العربي عموماً استقطاباً حاداً بين “التيار اليساري” والقيادة التاريخية للحركة على قاعدة الخلاف حول “موضوعات حزيران” التي صاغها “التيار اليساري” وعلى رأسه نايف حواتمة بشأن عجز البرجوازية الصغيرة عن قيادة حركة التحرر الوطني العربية وضرورة تبني الماركسية، والتوجّه نحو حلّ “حركة القوميين العرب” كتنظيم على الصعيد القومي، وهذا ما تمّ حسمه في بداية العام ١٩٦٩ عبر بيان “اللجنة التنفيذية القومية” التي كانت تحت قيادة “التيار اليساري” بإعلانها تصفية كيان الحركة، بحيث تشكّلت تنظيمات يسارية جديدة في فلسطين ولبنان والخليج هي “الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين” بقيادة نايف حواتمة، و”منظمة الاشتراكيين اللبنانيين” بقيادة محسن إبراهيم، و”الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي” بقيادة أحمد حميدان، وقبلها أعلن “التيار اليساري” في “جبهة تحرير ظفار”، التي كانت تقود الثورة في إقليم ظفار، عن تغيير اسم الجبهة إلى “الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل”، التي تشكّلت كتنظيم ثوري خليجي على خلفية التصدي للوضع الناشئ عند الانسحاب البريطاني من المنطقة في إطار تنفيذ سياسية شرقي السويس ولمواجهة محاولات نظام شاه إيران ملء الفراغ في الخليج، وبالاستناد إلي “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، التي استقلت في نوفمبر من العام ١٩٦٧ّ، كقاعدة خلفية لإسناد الثورة.
وما أن عاد أحمد الشملان إلى العراق بعد إجازته الصيفية، التي أمضاها معنا في الكويت، حتى حسم أمره والتحق برفاقه في “التيار اليساري” الذين شكلوا تنظيماً طلابياً رديفاً للحركة الثورية الشعبية تحت اسم “الطلائع الطلابية الثورية” كان أحمد أحد قياداته، كما جرى ضمّه إلى مكتب العلاقات الخارجية في “الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل”.
وبعد تجربة مريرة واجهها أحمد الشملان في دبي صيف العام ١٩٦٩ وبداية العام ١٩٧٠، استأنف في خريف العام ١٩٧٠ نشاطه السياسي والتنظيمي، وشارك في المؤتمر الثالث للحركة الثورية الشعبية المنعقد في بيروت خلال شهر أكتوبر ١٩٧٠ وانتُخِب عضواً في قيادتها، التي كان على رأسها عبدالرحمن النعيمي بعد اعتقال أحمد حميدان ومعظم عناصر القيادة السابقة في مسقط خلال شهر يونيو ١٩٧٠.
ونتيجة صلة أحمد الشملان الاجتماعية والسياسية بالكويت، فقد جرى تكليفه بقيادة تنظيم فرع الحركة الثورية الشعبية فيها بعدما تعرضت قيادة الفرع الكويتي إلى الاعتقال والمحاكمة في صيف العام ١٩٦٩، واستمر متولياً تلك المسؤولية القيادية خلال صيف العام ١٩٧١ وبدايات العام ١٩٧٢، إلى أن استأنف تنظيم الفرع الكويتي وجوده ونشاطه بعد الإفراج عن أحمد الربعي في الكويت عقب اعتقاله في عمان ونقله إليها ومحاكمته فيها ثم العفو عنه، كما هي حال بقية رفاقه المعتقلين من قيادة الفرع الكويتي للحركة الثورية الشعبية.
وخلال وجود أحمد الشملان في الكويت بدأ في إجراء مراجعة نقدية شاملة لمسيرته ولخط الحركة الثورية الشعبية واختياراتها الفكرية والنضالية والسياسية، إذ كان معارضاً للتوجهات الفكرية لليسار الجديد، التي كانت تتبناها الحركة ولم يكن متوافقاً مع موقفها السلبي تجاه الاتحاد السوفياتي، الذي كانت تعدّه “تحريفياً”، بالإضافة إلى انتقاده اعتماد الحركة الثورية الشعبية أسلوب الكفاح المسلح كشكل نضالي وحيد رغم عدم توافر شروطه ومتطلباته في معظم بلدان منطقة الخليج… ووقتها حسم أحمد الشملان أمره وقرر مغادرة صفوف تلك الحركة في شتاء العام ١٩٧٢، وبدأ يقترب من الخط العام للحركة الشيوعية والعمالية العالمية حينذاك بقيادة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي واتجه للانتقال إلى “جبهة التحرير الوطني – البحرين” ليواصل مسيرته النضالية في صفوفها.
تلك لمحة سريعة عن ارتباط أحمد الشملان بالحركة الوطنية الكويتية ودوره المشهود فيها، مثلما كان دوره السياسي والنضالي مشهوداً في البحرين وفي قيادة حركتها الوطنية.