ودعت البحرين والحركة الوطنية فيها، وقوى اليسار الخليجي والعربي، أواخر يونيو/حزيران الماضي المناضل الوطني الرمز أحمد الشملان، بعد مسيرة زاخرة بالعطاء والتضحيات من اجل شعبه وأمته. فقد تجسدّت سيرة الراحل الكبير عبر مسيرة نضالية امتدت لعقود طويلة، وتحديداً منذ مطلع الستينات، مسيرة يشهد القاصي والداني أنها كانت مملوءة بالتضحيات والمواقف المبدئية الصلبة والشجاعة، التي لم يحد الشملان يوما عنها، رغم ما كابده من معاناة ومتاعب جمّة لا يمكن حصرها في هذه العجالة، إلا أنه وبشهادة الجميع ظل محتفظاً خلالها بذلك النقاء النادر الذي هو سمة المناضلين الشجعان الأوفياء لقضاياهم وقيمهم الثورية، التي جسّدت على الدوام تطلعاتهم لعالمٍ أكثر عدلاً واحتراماً لإنسانية وقيم البشر.
أحمد الشملان ذلك الراحل الكبير الذي بقي طيلة سنوات عمره النضالي علامة مميزة لا يمكن تجاوزها لمن يريد أن يقرأ، بحق، تاريخ البحرين وحركتها الوطنية، وكذلك تاريخ المنطقة بأسرها، عبر تحوّلاته الفكرية وتجاربه النضالية المتراكمة، والتي قادته في المحصلة ليصبح مناضلاً في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية، وصولاً لرئاسته الفخرية للمنير التقدمي في البحرين منذ تأسيسه، وريث ذلك التاريخ النضالي الحافل، إلا أنه تميّز بشكل لافت في الحفاظ على الروابط الإنسانية والنضالية والوطنية التي ربطته على الدوام برفاق دربه من المناضلين ومن مختلف الأجيال والتوجهات السياسية، وكسب بذلك احترام الجميع ومحبتهم.
وكان لتلك المحبة والاحترام مؤشرات واضحة في ما حظي به الراحل الكبير من تقدير لدى الجميع، وهو الذي فتح قلبه وعقله على الدوام في محاولة للحفاظ على وحدة قوى المعارضة الوطنية، على الرغم من حجم المصاعب وتفاوت التجارب السياسية، وتباعد المواقف في أحايين كثيرة، إلا أن الشملان استطاع مع مطلع التسعينات أن يكون صوتاً وطنياً مجلجلاً باسم الحركة الوطنية أمام العالم، إبان ما مرّت به بلادنا من أحداث، محافظاً على التوازن الإيجابي الذي ميّزه كشخصية وطنية بالدرجة الأولى، كما ميّز تياره السياسي، المنبر التقدمي، رغم وعورة الدرب ومشقته، وحتى بعد أن أقعدته الجلطات المتتالية وما جرّته من معاناة حقيقية، أصرّ “أبو خالد” إلا أن يبقى صوتاً معبراً عن أحلام شعبنا في حياة كريمة وعدالة اجتماعية مفتقدة، وبقي متابعاً للشأن السياسي من خلال حضوره الدائم في فعاليات المنبر التقدمي وبقية القوى السياسية والاجتماعية، كما أبقى مجلسه الأسبوعي مفتوحاّ، تشاركه ذلك الهم رفيقة دربه “أم خالد” وثلة من رفاقه وأصدقائه الذين بقوا متمسكين بالأمل رغم كل العقبات والمصاعب، وبالفعل كان مجلسه على الدوام محطة التقاء مستمر لمختلف مكوّنات وشخصيات مجتمعنا البحريني.
رحل رمزنا الوطني أحمد الشملان واقفاً، كما يرحل الشجعان الأوفياء، وستبقى مسيرته ومآثره النضالية متجسدة وراسخة في وجدان رفاقه ومحبيه، فقد كان تنوع من حضروا لوداعه الأخير خير دليل على ما تعنيه محبة الناس لهذه القامة الوطنية الملهمة بالفعل، والتي سنظل نتعلم منها الدروس والعبر عبر القادم من الأيام والسنين.
نحن رفاقك أبا خالد نعاهدك أن تبقى ابتسامتك الدائمة التي تستقبلنا بها زاداً لنا لمواصلة دربنا الشائك الوعر، وكذلك هي مواقفك الوطنية ومبدئيتك وقيمك النضالية، وستبقى في قلوبنا وضمائرنا ملهماً طالما بقينا، وسيبقى الوطن والناس بوصلتنا من اجل وطن حر وشعب سعيد. نم قرير العين وسيكمل رفاقك دربنا الطويل،،،