المراسيم بقوانين (مراسيم الضرورة) هي مراسيم لها قوة القانون تصدرها السلطة التنفيذية، في غياب السلطة التشريعية، فيما بين أدوار انعقاد مجلسي النواب والشورى، أو بعد انتهاء الفصل التشريعي أو في فترة حله، لتسد فراغاً تشريعياً عندما تدعو الضرورة إلى تدخل تشريعي لتنظيم موضوع من الموضوعات التي لا تنظم بأداة أدنى من القانون، وذلك إعمالاً لأحكام المادة (38) من الدستور التي وصفت الضرورة بإنها ما يوجب الإسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، ولا تكون هذه السلطة مقيّدة في إصدارها إلا بقيدين أساسيين، هما قيام حالة الضرورة وعدم مخالفة أحكام الدستور.
وأوجبت المادة المذكورة من الدستور عرض هذه المراسيم على كل من مجلس الشورى ومجلس النواب خلال شهر من تاريخ صدروها إذا كان المجلسان قائمين، أو خلال شهر من أول اجتماع لكل من المجلسين الجديدين في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي.
ولعل ما يميز هذه المراسيم بقوانين عن مشروعات القوانين بأن لها قوة القانون، أي تكون سارية المفعول ملزمة للكافة، ويزال مالها من قوة القانون في حالتين؛ الأولى إذا لم تعرضها الحكومة خلال المدة التي أشرنا إليها والثانية إذا عرضتها ولم يقرّها المجلسان.
كما أن لهذه المراسيم بقوانين حسب نصوص اللائحة الداخلية حق امتياز بأن لها في المجلس وفي اللجان الأولوية على أية أعمال أخرى، ولا يجوز التقدّم بأية اقتراحات بالتعديل في نصوص أي مرسوم بقانون، ويصوّت المجلس على هـذه المراسيم بالموافقة أو بالرفض ويصدر قرار المجلس بعدم إقرار المرسوم بقانون بأغلبية أعضاء المجلس مادة (124).
إن المراسيم بقوانين التي أصدرتها الحكومة قبل انعقاد أول اجتماع للمجلس الوطني في 2002، أو تلك التي أصدرتها طوال الفصول التشريعية لهذا المجلس كثيرة وتوسعت فيها رغم أنها استثناء من الأصل، يتعذر حصرها في هذا المقام وتحتاج الوقت لدراستها، ولكن سنشير إليها من خلال واقع دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الحالي السادس، حيث عرضت الحكومة خلال هذا الدور على مجلس النواب (16) مرسوم بقانون، معظمها وافق عليها مجلس النواب وأحالها لمجلس الشورى بعد أن اخذت من الوقت الكثير في دراستها في اللجان ومناقشتها في المجلس، ولست معنياً هنا ببيان مضمون موادها ومدى توافر شرط الضرورة، ولكن يمكن أن أشير إلى أبرز وأهم هذه المراسيم بقوانين، هو المرسوم بقانون رقم (38) لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لمجلس النواب الذي عرضته الحكومة على المجلس في جلسته الثانية المنعقدة بتاريخ 20 ديسمبر 2022، وقرر المجلس إحالته بذات التاريخ إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بصفة أصلية لتقديم تقرير بشأنه تمهيداَ لعرضه. كمثال على مدى هيمنة وتغوّل السلطة التنفيذية وضعف مجلس النواب في تشريع القوانين، وأنه ليس هناك من ضرورة لإصداره بهذه الإدارة.
إن هذه التعديلات التي جاءت بموجب هذا المرسوم بقانون تتعلق بالنظام الداخلي للمجلس، إذ تعد اللائحة الداخلية التي تنظم الشؤون الداخلية لمجلس النواب من أهم الوسائل التي تساهم في الدفع بعمله على نحو يمكنه من القيام بواجباته المحددة في الدستور على الوجه الأفضل، غير أن دور الانعقاد انفض في 5 يونيو 2023 دون يتم أن عرض هذا المرسوم بقانون بتقرير من لجنة الشؤون التشريعية والقانونية للبت فيه، ولأن له قوة القانون ظلت مواده سارية على أعمال المجلس بما فيها من قيود طوال دور الإنعقاد.
لقد بررت الحكومة إصداره بأداة المرسوم بقانون في غبية المجلس بإعادة تنظيم عمل المجلس في الجلسات ضماناً لإداء المجلس لمهامه المنوطة به، ولتلافي أوجه القصور في اللائحة والتي تكشف عنها الواقع العملي بما يؤدي إلى الحفاظ على وقت وجهد المجلس، ولتوفير المزيد من الضمانات لعضو مجلس النواب حتى يؤدي مهامه وهو مطمئن إلى غده ومستقبله الوظيفي من خلال جواز إعادة تعيين أو توظيف العضو الذي يشغل وظيفة عامة وتخلى عنها بسبب عضويته في مجلس النواب وهو ما ينعكس أيجابا على أدائه وعطائه.
يا لها من تبريرات لا أساس لها من الصحة لا من الناحية الدستورية والقانونية ولا من الناحية الواقعية، ذلك أن من أبرز مظاهر استقلال مجلس النواب عن السلطة التنفيذية هو أن يقوم بنفسه بوضع وإقرار لائحته الداخلية، وإجراء أي تعديل عليها لتنظيم شؤونه الداخلية كما هو الحال في دستور الكويت والأردن ومصر، لا أن تقوم السلطة التنفيذية بإحراء هذه التعديلات وفي غبيته.
ثم أنه عن أي قصور تتحدث الحكومة في اللائحة الداخلية ويجب تلافيه للحفاظ كما تقول على وقت وجهد المجلس، الذي جعلها تبرر صدوره بموجب مرسوم بقانون، ذلك أن ما وضعته الحكومة من تعديلات على اللائحة لا تعالج ما سمته قصوراً، بل تزيد اللائحة نصوصا جديدة تقيّد عمل المجلس فوق القيود التي وضعتها في تعديلات سابقة، فهذه التعديلات حرمت المجلس من تشكيل لجان نوعية دائمة غير اللجان النوعية الخمس، بل عدلت من طلب مجلس النواب في تشكيل اللجان المؤقتة لدراسة موضوع معين، فاصبح بعد التعديل من حق رئيس المجلس الذي له وحده اقتراح تشكيلها. كما أنها ألغت حق مجلس النواب في أن يقرر بنفسه في استمرارية الاقتراحات بقوانين المقدمة منه والتي صيغت في مشروع قانون وأحيلت للمجلس بهذه الصيغة، وانتهى الفصل التشريعي ولم يفصل فيها المجلس السابق ولم يعد قرار استمرار النظر فيها طبقاً لهذا التعديل من حق مجلس النواب كما كان النص قبل التعديل بل من حق الحكومة.
أما بالنسبة لما تفضلت به الحكومة أن هذه التعديلات تحافظ على وقت وجهد المجلس، فإن واقع جلسات المجلس خلال دور الانعقاد الأول يكذب ذلك، وتكشف أن وقت وجهد المجلس في اختصاصه التشريعي المتمثل بحقه في اقتراح القوانين قد تأخر في ظل العدد الكبير من مشروعات القوانين والمراسيم بقوانين التي تقدمت بها الحكومة وصل إلى حد عجز المجلس ولجانه عن عرض الاقتراحات بقوانين الذي تقدّم بها وعددها 291 لم يعرض منها سوى 11، واحد في الجلسة ما قبل الأخيرة رقم (22). وعشرة منها في الجلسة الأخيرة (23)، وافق عليها المجلس وأحالها للحكومة لوضعها في صيغة مشروع قانون.
إن التبرير الأخير الذي وضعته الحكومة واسترسلت طويلا في بيانه بتوفير المزيد من الضمانات لعضو مجلس النواب حتى يؤدي مهامه، وهو مطمئن إلى غده ومستقبله الوظيفي من خلال جواز إعادة تعيين أو توظيف العضو الذي يشغل وظيفة عامة وتخلى عنها بسبب عضويته في مجلس النواب وهو ما ينعكس إيجابا على أدائه وعطائه، فيه إغراء أو (طعم) لأعضاء مجلس النواب للموافقة على هذه التعديلات، في وقت يتعين فيه على أعضاء مجلس النواب أن يعلموا تمام العلم أن المادة المتعلقة بإعادة تعيينهم أو توظيفهم والتي أضافتها التعديلات هو جوازي لا يلزم جهة الوظيفة العامة ولا يشمل النواب اللذين كانوا يعملون في القطاع الخاص.
فهل يتعظ النواب من موافقتهم على برنامج الحكومة والميزانية العامة برفضهم للمرسوم بقانون بتعديل نظامهم الداخلي، حين يعرض في دور الإنعقاد القادم؟ أم سيكون مجلس النواب أمام امتحان آخر يصححه الشعب؟