حكاية غلاف رواية «تغريبة القافر»

0
29

الغلاف عتبة النص، باب لمحتوى الكتاب، وجزء منه. بهذا الشكل أنظر إلى أغلفة الكتب. وعليه ينبغي على المصمم أن يقرأ النصّ جيداً قبل يتخذ أي خطوة في التصميم، وأن يجري بينه وبين المؤلف ونصّ ورشة عمل حول الشكل الذي سيكون عليه الغلاف.

ولعلّ هذا ما حدث في أغلفة عدة صممتها لزهران القاسمي: رواية «جوع العسل»، «تغريبة القافر» وأخيراً كتاب «سيرة الحجر».

بدأت الورشة بحديث عن صور الأفلاح التي عندي، الجداول، وهو المعنى المباشر التقليدي لتصميم غلاف كلّها عن الماء، أو على الأقل في ظاهرها. يبدأ الحوار بالبسيط العادي جداً، ثمّ يرتقي تدريجياً حتى نستنفذ فيه كلّ شي تقليدي ونتجاوزه، ونتجاوز مباشرة التصميم. فلما انتهينا من ذلك، عرفت أنّه لا شيء من ذلك يصلح غلافاً مغايراً للرواية. هنا تحدث ما أسميه بالسكتة الفنّية حتى لا يبدو شيء واضح للغلاف.

عدت للرواية، وقفت عند مشهد منها كنت أظنّه منذ البداية أنّه من أهم المشاهد فيها، وهو هذا المشهد:

“عاد أهلها بعد حين ووجدوها على حالها، فاتحوها ثانية بأمر الزواج لكنّها تعذّرت بأنّ غزلها لم ينته بعد، أسمعوها كلاما كثيرا، لكنّها تجاهلت كلّ ما قالوه، وأشارت إلى مغزلها المعلّق أمامها وقد أخذ كثيرا من ضوء بصرها من كثرة ما تنظر إليه

-«من يقول لي المغزل خلصت، تكون عدتي خلصت وأكون أنا جاهزة».

مرّات ومرّات يجيء أهلها لزيارتها فيجدونها على تلك الحال، ما إن تنتهي من أعمال بيتها حتى تجلس أمام مغزلها وتفتح باب الأبدية في انتظار الخيط الذي سيأخذها إلى البعيد، وكأنّ كلّ خيط ما هو إلا درب يأخذها إلى زوجها، لتبحثَ عنه في الوديان والجبال، بين الأشجار الكثيفة ومغاور الصحراء والسيوح الممتدّة، تبحث عن وجه رجل يشبه الذي احتفظت به في ذاكرتها، الذي طال النسيان كلّ شيء فيها إلاّ وجهه.”

كنت أقول لو أنّها قبلت تلك الدعوة، كيف ستكون حال بقية الرواية؟ لا أحد يقاوم الموت إذا عرف جيداً ألا أحداً يهتم بانتظاره، مهما قست عليه الحياة. قلت هذا المشهد بالذات يجب أن يكون الغلاف.

ولأنّي عرفت بعد بحث طويل أنّ مغازل الصوف نادرة في البحرين، طلبت من أبي النجار أن يصنع لي اثنين، بعد أن اتفقت معه على شكلهما. بعد أيام كانت المغازل جاهزة، علقهما أبي على حبل في حديقة البيت، قلت: إذن يجب أن يكونا بهذا الشكل في الغلاف.

في المنامة القديمة وجدت جدارا مناسبا للتصوير، هو في الأصل ما بقي من بيت قديم، قد ثبّت فيها عمال أسيويون سلكا لنشر غسيل الثيبا عليه. كان لون الجدار أخضر مثل ماء غير عميق. جلست في مقهى في سوق المنامة ألفّ الصوف على المغزلين وأشرب الشاي. فلما انتهيت قصدت الجدار، أزحت الثياب بعيدا عن مساحة تكفي التصوير، وبدأت في التقاط صوراً بينما كنت أتصور شكل الغلاف. وهذا أفضل ما يحدث لمصمم: تخيّل شكل الغلاف يرشده لشكل الصورة.