صناديقنا التقاعدية..أسئلة ومخاوف !!

0
29

 التأمينات الاجتماعية ملف يحظى بإهتمام وأولوية قصوى في مملكة البحرين دون أدنى شك، على الأقل على المستوى الشعبي، كما يحظى بأهمية خاصة بالنسبة للدولة ككل، والأسباب من وجهة نظري مفهومة.

  هذا الملف الهام والخطير بات خلال العقدين الأخيرين محط اهتمام وأخذ ورد وأحيانا تبادل اتهامات، ربما بين القوى السياسية والمجتمع المدني والبرلمان من جهة والدولة من الجهة الأخرى، وذلك لعدّة أسباب ترتبط أساسا بالمخاوف التي أفرزتها التداعيات القائمة والمنتظرة لملف التقاعد وأوضاع الصناديق التقاعدية، والتي باتت تقدّم مؤشراتها المتشككة بل والمخيفة أحيانا، للرأي العام البحريني في ظل اهتمام محدود  لا يشي بكثير من الجديّة من الجانب الرسمي كما يبدو تجاه إيجاد حلول تنقذ ما يمكن انقاذه بالنسبة لمستقبل الصناديق التقاعدية.

 من المعروف أن مهمة ودور الصناديق التقاعدية في أي بلد هي أساسا الحفاظ على مظلة الأمان الاجتماعي والمعيشي لشرائح واسعة من المتقاعدين وأسرهم وهم بالنسبة للبحرين يقدرون بعشرات الآلاف، وكما يعلم الجميع أن جلّ تلك المخاوف بدأت في الظهور للعلن  منذ العام 2003 على وجه التحديد، عندما أعلن  الرئيس التنفيذي الأسبق الشيخ عيسى بن ابراهيم رحمه الله أمام مجلس النواب أن هناك حاجة ماسة لتدارك أوضاع الصناديق التقاعدية من الوقوع قريبا في حالة الإفلاس الوشيك، وهو تصريح يحسب فعلاً للرجل بكل تأكيد.

على أساس ذلك تشكلت لجنة التحقيق البرلمانية الشهيرة في فساد الصناديق التقاعدية في القطاعين العام والخاص، والتي عملت لفترة ثمانية شهور متواصلة وبحثت بعمق مشكلة تلك الصناديق وطرق إدارتها واستثماراتها وما حصل لها على مدى أكثر من ربع قرن من تراجعات، هي في الكثير من محصلتها وجوه لفسادين اداري ومالي وعجوزات متراكمة وقرارات فوقية غير مدروسة، بسببها أضيعت العديد من الأصول والثروات ورؤوس الأموال، التي لم تستطع الادارات المتتالية من ارجاعها او حتى ايقاف نزفها المستمر، نتيجة غياب الضوابط وابسط أسس المحاسبة والرقابة الداخلية.  

ونتيجة لذلك  التقرير، سلّم مجلس النواب في العام 2004  للحكومة تقريراً موسعا بالأرقام والإدانات والممارسات الخاطئة التي وضعت اللجنة يدها على الكثير من وجوهها، وكان  مؤملاً أن تباشر السلطة التنفيذية منذ ذاك التاريخ اصلاحاتها التي أقرّت بموافقتها حول وجوه التقصير الواردة في التقرير، والعمل على دمج الصناديق واستعادة الأموال والأراضي والأصول، إلا أن ذلك لم يحدث بكل أسف  لأسباب غير معروفة، وتعاقبت بعد ذلك لجان التحقيق البرلمانية في أوضاع تلك الصناديق، إلا أن الحلول والمعالجات ظلت غائبة، ومنذ عامين فقط اهتدت السلطة التنفيذية إلى أن جزءاً مهماً من الحل ربما يكمن في وقف الزيادة السنوية التي يتحصل عليها المتقاعد  ومقدارها 3%، وهي بلغة بسيطة معادل التضخم الطبيعي الذي تعتمده البحرين منذ سنوات طويلة دون تغيير، وبالفعل تمّ تمرير ذلك من قبل غالبية نيابية في الفصل التشريعي الخامس، بكل أسف وبشبه اجماع شوري.

وبالرغم من كل ذلك لازالت مخاوف الناس والحكومة حتى هذه اللحظة قائمة بل وتتعاظم، ان شئنا الدقة…والسؤال لماذا؟!

أعتقد جازماً أن الإجابة المختصرة على ذلك تكمن في أن المعالجات التي  لا زالت تطرحها الإدارة الحالية المعنية بصندوقي التقاعد العام والخاص هي معالجات مبتسرة  وغير علمية ولا تذهب في أبسط مضامينها إلى إيجاد معالجات حصيفة أو حتى جادة، لأنها لا تأخذ  في حسبانها أموراً عديدة،  ليس أقلّها إنها لا تعطي كما يبدو اهتماماً يذكر للبعد الأمني الاجتماعي والوضع المعيشي ومخاطره المحتملة اجتماعيا وحتى سياسيا!، علاوة على أنها لا تمتلك القرار أو الجرأة على القول إن هناك فشلاً مزمناً وتخبطاً دائماً في إداراة أصول واستثمارات هيئة التأمينات الاجتماعية، وهي أيضاً لا تهتم بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، سواء على المستوى الإداري أو الاستثماري، أو ضبط الرقابة الداخلية وتفعيل وجوه المحاسبة والمراجعات المستمرة، والأهم انها لازالت تدار بفوقيّة لا تقدم إلا المزيد من العجزين الاداري والمالي للصناديق التقاعدية، والعجز وعدم القدرة على ابتداع توجهات استثمارية وبرامج تطويرية مقنعة من شأنها الإرتقاء بأداء تلك الصناديق التي يكمن فيها عامل الاستقرار الاجتماعي  باعتباره خياراً امنياً واستراتيجيا لا يجب أن يهمل أبداً أو أن يترك في أيدي اداريين سمتهم العجز وعدم القدرة وربما حتى عدم فهم تلك الابعاد ومخاطرها!!

ولكي لا نتهم بالمبالغة..دعونا نؤكد ما نقوله بأسئلة يعرف الجميع اجاباتها..أين هي استراتيجية الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي للنهوض بتلك الصناديق، خاصة بعد أن تمّ تشخيص المشكلة بمختلف وجوهها، وبعد مرور أكثر من عقدين على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الأولى في  2004؟!، ولماذا لا يُطلع الرأي العام على طرق وأساليب ادارة استثمارات تلك الصناديق، وقبل ذلك ما هي قدرات وامكانيات من يتولونها، وهل عقمت البحرين أن تلد عقولاً استثمارية وإدارية مجربة قادرة على النهوض بصناديقها التقاعدية؟! وهي البلد المكتنز حدّ التخمة بأفضل العقول الاستثمارية والإدارية على المستوى الخليجي وحتى العربي!؟

 اسئلة نطرحها من منطلق مسؤولياتنا السياسية والوطنية تجاه مستقبل صناديقنا التقاعدية ومستقبل أجيال من الذين يهمهم استدامة تلك الصناديق وازدهارها، ولماذا نعجز يا ترى عن دراسة نجاحات صناديق تقاعدية مشابهه كانت تمر يوما بعجوزات ووجوه فساد عدة واضحت عناوين للنجاح، كما يحصل في دول قريبة منا وتعيش ذات الظروف الاقتصادية العالمية، ورغم ذلك نجدها تحقق عوائد استثمارية تفوق ال 20% فيما نكتفي نحن  في البحرين بالتباهي بتحقيق أقل من 6%؟ عوائد استثمارية؟!

 أسئلة تحتاج إلى متابعات ورقابة وتلك مهمتنا المشتركة مع الحكومة خلال الفترة القادمة.