خللان كبيران تعاني منهما الحياة السياسيّة في البحرين في الوقت الحاضر، الأول هو المتصل بمحدوديّة الصلاحيات الممنوحة للسلطة التشريعيّة، وبشكل خاص للغرفة المنتخبة منها، مجلس النوّاب، والثاني هو القيود المفروضة، والآخذة في التزايد، على حرية مؤسسات المجتمع المدنيّ ودورها. وفي الحالين، فإن ذلك أدى إلى أن مجلس النواب لم يعد قادرًا على أداء الدور التشريعيّ والرقابيّ المنشود منه، والذي يطالبه به الناس، ولكنه عاجز عن فعل ذلك، ليس فقط لأن الجزء الأكبر من النوّاب بعيدون عن هموم واهتمامات الناس، وإنما أيضًا، ولعلّ هذا هو الأهم، هو أن ما تبقى من صلاحيات للمجلس أقلّ بكثير من تلك الضرورية لكي ينهض بمهامه.
وموضوع محدودية صلاحيات المجلس ليس جديدًا، فمنذ عودة الحياة النيابيّة بعد انطلاق المشروع الإصلاحيّ والتصديق على ميثاق العمل الوطنيّ، فإن اللائحة الداخليّة التي تحدد دور ومهام المجلس تعاني من خلل كبير، كان موضوع سجال داخل المجلس نفسه، او في المجتمع عامة بجمعياته السياسيّة ومؤسساته الأهلية المختلفة، والرأي العام عامة، وبدلًا من أن تؤخذ الاعتراضات على تلك اللائحة على محمل الجد، ويجري العمل على تحريرها مما تتضمنه من قيود، فإن المجلس في الفصول التشريعيّة الأخيرة، صار هو نفسه يقلص صلاحياته بنفسه، من خلال فرض المزيد من القيود، بتصويت غالبية النوّاب، وللأسف الشديد، استجابة للرغبات الحكوميّة، فيما المطلوب منهم أن يكونوا أكثر حرصًا من سواهم عليها، وفاءاً للقسم الذي يؤدونه في بداية كل فصل تشريعي.
أما فيما يتصل بالحريّات العامة، التي كان السقف الذي بلغته في السنوات الأولى للمشروع الإصلاحيّ هو المنجز الرئيسي الذي تحقق في بلادنا، يومها، فإنها هي الأخرى، تشهد تراجعات كبيرة ودائمة عليها، عبر التشريعات والتدابير والقرارات التي تفرضها الجهات الحكوميّة المعنيّة عليها، وهي القيود التي قلصت الهامش الذي كان متاحاً لنشاط هذه المؤسسات، نقابيّة كانت أو نسائيّة أو شبابيّة أو مهنيّة، ما أدى إلى تهميش وتقليص دورها، وتناقص حجم العضوية فيها، خاصة من العناصر الشابة، دون أن ننسى ما لحق بالهامش الذي كان متاحًا لحريّة التعبير والصحافة من تقليص وتقييد، وهكذا وجدنا أنفسنا نعود إلى ما يشبه نقطة الصفر، وربما إلى ما هو دونها.
من أجل تعافي الحياة السّياسيّة في الوطن، وضخّ الديناميكية فيها من جديد، فإن الدولة أمام مسؤولية إعادة النظر في كل هذه الجوانب: صلاحيات النوّاب، تشريعيًّا ورقابيًّا، دور مؤسسات المجتمع المدنيّ، حريّة التعبير ووسائل الإعلام، وإعادة ما تبدد من مكتسبات حرصًا على وطننا وضمانًا لتطوّره واستقراره، وتقدّم تجربته السياسيّة.