نحو استراتيجية وطنية للشباب

0
18

لتفادي الأفق المسدود أمامهم

  ذات مرة قرأتُ لصحفيّة عربية شابة مقالاً تسخر فيه  من الندوات التي تقام في العالم العربي تحت عناوين كبرى، تتحاشى أن تمس عصب الأشياء والمشاغل الرئيسية التي تقلق المجتمع العربي. وترى هذه الصحفيّة، محقّة، أن تطلعات وآمال الشبيبة العربية، هي الغائب الأكبر عن هذه الندوات، فيما هي في الجوهر المحور الحقيقي للأزمة التي نعيشها وللحلول المتوخاة إذا كنا نريد أن نتحدث عن رؤية مستقبلية.

وقد اقترحت الكاتبة عدداً من المحاور لما أسمته: “نقاط التفجير” في الموضوعات التي يجب أن تناقش. ومن هذه المحاور مثلاً: “الشباب والهجرة، الشباب والبطالة، الشباب والفقر، الشباب والأسرة، الشباب والهوية، والشباب والزواج والحب، الشباب والخيارات الثقافية، الشباب والانتماء الوطني”.

  لو أردنا “بحرنة” هذه المحاور التي اقترحتها هذه الصحفيّة، أي أن ننظر إليها من زاوية أوضاع الشباب في بلدنا، لوجدنا أنها كلها، أو في أقل تقدير معظمها، تصلح لأن تكون عناوين لندوات وحلقات بحث ودراسات تمسّ المفاصل الرئيسية لقضايا الشباب البحريني، فتلك المحاور كما لاحظنا، تغطي أوجهاً اجتماعية – معيشية كتأثير البطالة والفقر، مثلاً، على الشباب وعلى أمزجتهم وتكوينهم النفسي وطبيعة انخراطهم في الحياة أو المجتمع، وعلاقتهم بالعمل الوطني والسياسي، خاصة من زاوية تسليط الضوء على الطريقة التي يفكر بها الجيل الجديد، والنظرة التي تحكم رؤيته للقضايا المندرجة في الشأن العام، أو الشأن الوطني، الذي قد يتوسل السياسة والعمل التطوعي سبيلاً أو شكلاً لتجليه. 

كما أن تلك المحاور  تغطي أوجها ثقافية – سياسية مركبة كموضوع الهوية والخيارات الثقافية ومسألة الانتماء الوطني. وهذا العنوان الأخير، أي الانتماء الوطني، لا يمكن التعاطي معه تعاطياً رومانسياً أو عاطفياً، فلكي نعمق لدى الشبيبة روح الانتماء للوطن يجب أن تبذل جهود كبرى تجعل هذه الشبيبة تشعر وتدرك أن الوطن معني بأمرها، وأنه يقدّم لها من الاهتمام ما هي في حاجة إليه، على شكل خدمات في التعليم والتدريب والتأهيل وتوفير فرص العمل والسكن للأسر الشابة التي تلج الحياة وسط ظروف معيشية معقدة.

نحن إزاء جيل مختلف، ينشأ في ظروف جديدة مغايرة، وليس ثمة مدعاة هنا للمفاضلة، كأن نصور أنفسنا بأننا كنا أبناء جيل أفضل أكثر اهتماما بالقضايا الجادة من هذا الجيل.  إن الظروف والمعطيات قد تغيرت بصورة تكاد تكون جذرية، ويجد هذا الجيل نفسه على تماسٍ مع مؤثرات مختلفة عن تلك التي عرفتها الاجيال السابقة، ويخضع في تفكيره وفي سلوكه لعوامل لم تكن قائمة في الماضي، وحري بالجهات صاحبة القرار والمعنية برسم السياسات المستقبلية للوطن أن تدرس بعناية ومسؤولية ما الذي يقلق الجيل الجديد في البحرين، وما هي مشاغله واهتماماته، وما الأسئلة التي يثيرها الوضع الراهن، بالتعقيدات التي نعرفها، في أذهان الشبيبة، خاصة وأننا من المجتمعات الفتية في تركيبتها السكانية، حيث نسبة الشباب ممن تقل أعمارهم عن الثلاثين هي نسبة طاغية، ويدخل هذا الجيل الحياة وهو يواجه مشاكل في التعليم وفي العمل ويعاني من نقص وضعف الخدمات الاجتماعية والثقافية وسواها، وعلى كاهل هذا الجيل تقع أعباء معيشية وعائلية مرهقة.

 والراصد لبواعث اليأس والإحباط لدى الشباب، سواء كان هذا الراصد باحثًا اجتماعياً أو منشطاً في الميدان الثقافي أومهتماً بالشأن السياسي وبعمل مؤسسات المجتمع المدني، لابد أن يلاحظ غياب أو ضعف الخطط المدعومة من الدولة، للنهوض بأوضاع الشباب بالصورة المرجوّة، خاصة وأن الجيل الجديد يجد نفسه على تماس مع مؤثرات مختلفة عن تلك التي عرفناها أمام هذا الطوفان الهائل من المواد التي تبث رقمياً، والتي تشمل قضايا تندرج فيما كان يعد حتى أمدٍ قريب مسكوتاً عنه، وفي النتيجة فإن أفراد الجيل الجديد، من الجنسين، هم بحكم أعمارهم ورؤاهم، أقرب إلى المستقبل، حتى لو تراءى لبعض المخضرمين أن الشباب تنقصهم الخبرة ولم تعركهم الحياة بعد في أتونها، وإن اهتماماتهم ليست بالجديّة الكافية، فنظرة مثل هذه لا تقدّر حق التقدير أن جيل اليوم ينشأ وسط معطيات حياتية وثقافية مختلفة جذرياً عن تلك التي عاشها الآباء.

التعاطي مع هموم الجيل الجديد يتطلب هو الآخر تفكيراً جديداً، ولكن يظلّ أن الجوهري في الأمر هو ايلاء عناية أكبر لإشراك الشباب في الشأن العام ودمجهم فيه، عبر مختلف الآليات الثقافية والاجتماعية، من خلال تشجيع الهيئات الشابة التي يمكن أن تجترح أفكاراً جديدة تلائم وعي الشباب وطموحاتهم وتطلعاتهم، وإذا كان التشخيص مهماً، خاصة إذا كان تشخيصاً سليماً، لكن لا يمكن الاستمرار في التشخيص إلى ما لانهاية، فلا بد من الشروع في العلاج حتى لا تستفحل الحال موضع التشخيص. ونزعم، فيما يتصل بقضايا وهموم الشباب عندنا، أن ما هو متاح من تشخيصات قد بات فائضاً، فيما المعالجات لا تزال في أدنى الحدود، وفي كثير من الحالات فإنها لا تطابق التشخيص الصحيح، أما لماذا نقول إن التشخيصات فائضة، فذلك لأننا نسمعها ونقرأها من الشباب أنفسهم كونهم المكتوين بهموم ما يواجهونه، وضمن الحزمة المطروحة تبرز قضايا التعليم والتدريب والتأهيل المهني، ثم قضايا التشغيل والعمل، ثم قضايا الاستقرار الأسري وتشكيل عائلة تواجه أعباء الحياة.

ولو أخذنا اليوم أبرز معضلة تواجه الأجيال الجديدة في البحرين، معضلة البطالة، للاحظنا، أنه رغم الأرقام الفارغة التي تعلن عنها وزارة العمل عن فرص التوظيف المتاحة للشباب، فإنه لا توجد استراتيجية حقيقية لمواجهة هذه المشكلة برؤية مستقبلية متكاملة، فمع تزايد أعداد الخريجين والزيادة المطردة لنسبة الشباب في المجتمع، ستظل هذه المعضلة تتفاقم، وستكون عرضة للانفجار في أي لحظة، حين تبلغ حال انسداد الأفق طريقاً مسدوداً، وما البطالة، على خطورتها، إلا واحدة من القضايا المعقدة الشائكة الماثلة أمام الشباب، وما قلناه عن البطالة يصحّ على بقية القضايا التي تتطلب استراتجية شاملة متكاملة الأبعاد لمواجهتها وفتح آفاق واعدة أمام الأجيال القادمة.