ينصّ دستور مملكة البحرين في المادة (5) على (أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويُقوّي أواصرها وقيمها، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الاهمال الأدبي والجسماني والروحي)، من هنا فإن الأسرة تعد الخلية الأساسية للمجتمع، ينمو ويزدهر باستقرارها. كما أن الدستور يتضمن المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، ودور الدولة في دعم المرأة للتوفيق بين واجباتها نحو أسرتها وبين عملها في بناء المجتمع ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وحصول المرأة على حقوقها السياسية والدستورية كاملة.
انضمت مملكة البحرين إلى العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية التي تتعلق بالتشريعات الخاصة بحقوق المرأة والطفل، مثل اتفاقية حقوق الطفل (1991)، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) (2002)، لتؤكد أن التشريعات الخاصة بالمرأة والطفل في البحرين وجب أن تنسجم وبنود هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية وبما يحقق مصلحة المرأة والطفل.
قانون أحكام الأسرة البحريني
رأى قانون أحكام الأسرة البحريني النور في عام 2017، بعد انتظار طويل ومطالبات بسنّ قانون للأحوال الشخصية من قبل الجمعيات النسائية والناشطات النسويات البحرينيات، لحل العديد من القضايا الأسرية العالقة في المحاكم الشرعية ومنها الطلاق والنفقة، غير أن هذا القانون رغم أهميته لم يلب طموحات المرأة البحرينية، ولم يكن بالمستوى الذي كانت تطمح إليه وناضلت من أجله طويلاً نساء البحرين المنضوية في إطار الاتحاد النسائي البحريني وسائر مؤسسات المجتمع المدني، فقد اعترته ومنذ صدوره، وفي التطبيق، نواقص وعيوب من حيث الشكل والموضوع، وجاءت بعض بنوده مكرّسة لتبعية المرأة، وعليه الكثير من الملاحظات القانونية التي لا تنسجم مع مباديء حقوق الإنسان، ومنها أيضاً الأحكام التي نصّ عليها والمتعلقة بالنفقة والتي تشكل أبرز المعوقات التي تنال من حق النساء المعيلات لأسرهن في الحصول على حقوقهن وحقوق أبنائهن بالنفقة.
ولم تنصف أحكام الطلاق في القانون المرأة، حيث انطوت على تمييز واضح ضدها، حيث تنص المادة (81) (تقع الفرقة بين الزوجين: أ) بإرادة الزوج، وتسمى طلاقاً)، نجد أن نفس المادة تنص على: (تقع الفرقة بين الزوجين: ب) بطلب من الزوجة وموافقة من الزوج مع بذل العوض، وتسمى مُخالعة). كما يسمح القانون بإرجاعها ما دامت في العدة وذلك حسب نص المادة (93) (للزوج أن يرجع مطلقته من طلاق رجعي ما دامت في العدّة، ولا يسقط هذا الحق بالتنازل عنه). وهذا يعد تعسفاً وظلماً للمرأة حين أعطى القانون حق الطلاق بيد الرجل منفرداً، وسلب حق المرأة في رغبتها باستمرار الحياة الزوجية أو إنهائها. كما أن أحكام الولاية والحضانة في القانون يعتريها الكثير من القصور والذي يحتاج إلى إعادة النظر في صياغاته بحيث يتفق مع أفضل الاجتهادات الفقهية وبما ينسجم مع دستور مملكة البحرين وجميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها.
النفقة في قانون أحكام الأسرة البحريني
من أبرز الدعاوى التي تشهدها محاكم الأسرة في البحرين دعاوى النفقات بأنواعها. وقد تكفل قانون أحكام الأسرة البحريني بجمع مواد النفقات وبيان مستحقيها وشروط استحقاقها في الفصل الخامس من القانون حيث تضمن ثلاثة فروع للنفقة: الفرع الأول أحكام عامة، الفرع الثاني نفقة الزوجة، الفرع الثالث نفقة الأقارب.
عرّفت المادة (46) بأن “النفقة حق من حقوق المنفق عليه وتشمل الطعام والكسوة والمسكن وما يتبع ذلك من تطبيب وخدمة وغيرهما مما يقتضيه العرف”، مما يؤكد بأن النفقة حقاً لمستحقيها وكفالة لحقوقهم الشرعية والمادية وليست منحة من المنفق.
وراعى القانون في المادة (47) حالة المنفق عند تقدير النفقة بالنظر لسعة المنفق وحال المنفق عليهم، مع مراعاة الزمان والمكان والأعراف، ويجوز زيادة النفقة أو إنقاصها بتغير حال المنفق أو المنفق عليه، وبالتالي يجب أن تشتمل محاضر الدعاوى في قضايا النفقة على ما يوضح عن حالة الزوج المادية وإمكانياته قبل الحكم بالنفقة.
وتنص المادة (50) “للقاضي أن يقرر بناءً على طلب من الزوجة نفقة مؤقتة لها ولأولادها، وأن يأمر بعودتها إلى منزل الزوجية في حال إخراجها منه، ويكون قراره في كلتا الحالتين مشمولاً بالنفاذ المعجل بقوة القانون”. هذه المادة تعتبر من الإيجابيات ولصالح المرأة في حقها في البقاء بمسكن الزوجية وحصولها وأولادها على النفقة.
ومن سلبيات هذا القانون ما نص عليه المادة (49) على أنه: “تجب نفقة الزوجة على زوجها بالعقد الصحيح ولو كانت موسرة إذا مكّنته من نفسها ولو حكماً”، وتسقط نفقتها وتعد ناشزاً، إذا أمتنعت عن الانتقال إلى مسكن الزوجية بدون مبرر، ففي ذلك نوع من الفرض على الزوجة حين تلزم بتمكين نفسها بل يعد إذلال لها، فالنفس البشرية يتعين أن تكون حرّة لا تفرض بالتمكين.
نصت المادة (56) من القانون على حق الزوجة في الخروج إلى العمل، لكنه اعتبر خروجها للعمل على نحو مناف لحقوق الزوج مع طلبه عدم الخروج نشوزاً مسقطاً لنفقة الزوجية، فأفرغ حق الزوجة في الخروج للعمل من محتواه، إذ يظل الرجل هو المتحكم في عمل المرأة الذي يتطلب إذنه ويحق له منعها إن أراد، على الرغم من كل ما قيل عن المساواة بين الرجل والمرأة وأنها تستطيع أن تشغل أي عمل أو وظيفة، فلنتصور وزيرة أو طبيبة يمنعها زوجها عن العمل مثلاً، وإذا أبت عُدّت ناشزاً وسقط حقها في النفقة. فبدلاً من أن تكون الحياة الزوجية مبنية على التفاهم وتقاسم أسباب الحياة والتشارك فيها، فإن الاشتراطات والاستثناءات التي وضعها قانون أحكام الأسرة في البحرين لِحّق الزوجة في العمل تزرع أسباب الخلاف والشقاق بين الزوجين. نرى بأنه لا يجوز حرمان المرأة من حقها في العمل وإثبات ذاتها، وأن تكون فرداً منتجاً في المجتمع. لذا يتعين إلغاء هذه المادة على نحو يجعل للزوجة حق الخيار في العمل دون اشتراط موافقة الزوج على ذلك.
صندوق النفقة البحريني
يعتبر صندوق النفقة من الأدوات المساندة لمواجهة مشكلة بعض النساء البحرينيات اللواتي يعانين من مشكلات ذات علاقة بتأخر أو عدم صرف النفقة، حيث تواجه المرأة المطلقة صعوبة في تحصيل مبالغ النفقة بعد انتهاء الحكم أمام المحاكم الشرعية، حيث أنها تدخل في متاهات لتنفيذ إجراءات الأحكام أو تواجه مشكلات امتناع المطلق عن دفع النفقة، وهي قد تحتاج من وقت إلى آخر إلى مبالغ من المال لتعيل أطفالها.
جاء مشروع صندوق النفقة في البحرين بناءً على الدراسة التي أعدّها المجلس الأعلى للمرأة تنفيذاً لتوصيات “منتدى المرأة والقانون” الذي عقد في البحرين عام 2001 وتوصيات المؤتمر الثاني لقمة المرأة العربية بشأن إنشاء صندوق النفقة، وتم إطلاقه بموجب قانون رقم (34) لسنة 2005. والفئة المستهدفة من صندوق النفقة هم: الزوجة أو المطلقة أو الوالدين أو الأولاد أو كل من تجب لهم النفقة أو من ينوب عنهم قانوناً فيما يتعلق بالنفقات المتأخرة وامتناع المطلق عن دفع النفقة. ويسقط حق المنتفع في صرف النفقة من الصندوق فوراً إذا انتفى سبب استحقاقها المقرر له شرعاً أو قانوناً.
يتبع الصندوق وزير العدل، وله شخصية اعتبارية عامة وميزانية مستقلة. وتتكون موارد الصندوق من المبالغ المخصصة للصندوق في الميزانية العامة، ومبالغ النفقة التي تستوفى من المحكوم عليهم، والهبات والمنح والوصايا التي يقرر مجلس إدارة الصندوق قبولها، إلا إذا كانت من جهة أجنبية فلا يجوز قبولها إلا بعد موافقة الوزير.
تمّ تعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لصندوق النفقة الصادرة بالقرار رقم (44) لسنة 2007، بحيث تمت إضافة أبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي إلى الفئات المنتفعة شريطة إقامتهم الدائمة في البحرين.
إن أهم التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني وفي المقدمة منها الحركة النسائية والسلطة التشريعية في مملكة البحرين هي ضرورة إعادة النظر في معظم أحكام قانون الأسرة لمعالجة وإلغاء ما تعتريه من عيوب وتمييز ضد المرأة بما فيها الأحكام التي نص عليها بشأن النفقة، والتعديل على التطليق (للضرر والشقاق)، وغيرها من بنود.
- ورقة قدّمت في ورشة عمل “صوت واحد.. لتعزيز المنظومة الحقوقية والاقتصادية الحاضنة للنساء في العالم العربي”، المنعقدة في عمّان – الأردن، 19 – 20 يونيو 2023.